يجوز أن يكون في ذلك الحال ، فقال له : (لا تَحْزَنْ إِنَّ
اللهَ مَعَنا).
قال أبو بكر بن
طاهر : دعا الرسول صلىاللهعليهوسلم بأخص أسمائه وأرفعها ، وقدّم اسمه على صفتهما.
وقال موسى : (إِنَّ مَعِي رَبِّي) [الشعراء : ٦٢] : فدعاه باسم التربية ، وهو من عموم الأسماء ، وقدّم اسمه
على اسم ربه ، فقال : (إِنَّ مَعِي رَبِّي) : فلذلك عصم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم عن الشرك ، وابتلى أمة موسى عليهالسلام بعبادة العجل.
وههنا أن موسى عليهالسلام كان غيورا ، فلم ير في البين أحدا من غيره على لجّه ،
فكان النبي صلىاللهعليهوسلم خرج من حد الغيرة هاهنا ؛ لأنه كان غنيّا بالمشاهدة ،
وكان موسى في محل الافتقار إلى المشاهدة.
وقال الكليم : (إِنَّ مَعِي رَبِّي).
قال الحبيب صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ مَعِي رَبِّي) ، فوقع موسى في رؤية الصفات ، حيث سمى بالرب ، ووقع
النبي صلىاللهعليهوسلم في رؤية الذات بما سماه باسم الجمع ، وهو قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَنا) ، وزاد عليه نعمته بقوله :
(وَأَيَّدَهُ
بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) هذه الجنود جنود عساكر تجلّي جمال الأزل ، أنزلت على
أسراره ؛ لأنها تطيق حملها ، فإن في الكون لم يكن لتلك الجنود محل قبولها.
وقال جعفر في
قوله : (بِجُنُودٍ) اليقين والثقة بالله ، والتوكّل عليه.
ويقال : كان
الرسول عليهالسلام (ثانِيَ اثْنَيْنِ) بظاهر شبحه ، ولكن كان مستهلك الشاهد في الواحد بسره ،
ثم وصف منّته سبحانه على الكل ، بإذهابه ظلمة الطبائع ، وإخراجه أنوار الشرائع ،
بقوله : (وَجَعَلَ كَلِمَةَ
الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) جعل الدعاوى الباطلة فانية تحت أنوار التوحيد ،
والحقيقة كلمة انفراده بفردانيته ، وعلوّه بنعت التنزيه والتقدير عن ظنون خلقه ،
بأنه عزيز بعز الكبرياء ، وحكيم في اختصاص أوليائه بكشف البقاء ، ثم إن الله
سبحانه حث الجميع على التسارع ببذل القلوب والأرواح والأشباح إلى ميادين الوحدانية
والفردانية ؛ لرؤية جماله ، وكشف جلاله ، وإدراك وصاله ، بقوله :
(انْفِرُوا خِفافاً
وَثِقالاً) أي : انفروا إلى أبواب الأزل خفافا بالعقول القدسية ،
وثقالا بالقلوب الملكوتية ، وأيضا خفافا بالأرواح الروحانية ، وثقالا بالقلوب
السماوية ، وأيضا خفافا بالإرادات الصادقة ، وثقالا بالمحبة المفرطة ، وأيضا خفافا
بالإيمان ، وثقالا بالإيقان ، وأيضا خفافا بالأنس ، وثقالا بالقدس ، وأيضا خفافا
بأنوار المودة ، وثقالا بأمانات المعرفة ،