فأكرمه تعالى بعطائه عهده فرفع به شأنه وأشاد به ذكره فيقوم هذا الولي الإمام بوظائف ما عهد اليه من الإمامة وكان ذلك أيضا بمصالح في الناس. فيكون الايمان بامامة الامام والتسليم والطاعة لأوامره عهد الله الوثيق الى عباده وهكذا الكلام في جميع ما ورد من لفظ العهد في القرآن الكريم والخطب والروايات المباركة من حيث التفكيك بين العهد المنسوب اليه تعالى وبين العهد المضاف الى الخلق ومن حيث تفسير حقيقة العهد في كل واحد من المقامين وهذا باب يفتح منه أبواب كثيرة في تفسير الآيات والخطب المباركة.
قوله تعالى (الظَّالِمِينَ) قد حكم وقضى سبحانه ولا يحكم ولا يقضي الا حقا وقسطا ان يكون محل هذا العهد ومقره مطهرا ومنزها عن دنس الظلم ومعصوما بعصمة إلهية.
والظلم هو التعدي عن الحد والتجاوز الى حق الغير وان كان بالقهر والغلبة على من دونه أو بمعصية من كان فوقه ممن يجب امتثال أمره ونهيه فيشتمل الكفر والشرك والمعاصي الكبيرة والصغيرة سواء كان في حقه تعالى أو في حق الناس وفسره في القاموس انه وضع الشيء في غير موضعه وهو منطبق على ما ذكرناه وقوله تعالى الظالمين جمع محلى بالألف واللام الدالة على الاستغراق والعموم وحيث أن القضية حقيقية والعموم والإطلاق فيها يكون من حيث الأنواع لا الإفراد كما ان التخصيص والتقييد فيها يكون من حيث الأنواع فلا محالة يشمل ويستغرق قوله تعالى الظالمين جميع أنواع الظالمين في عرض سواء الكفر والشرك والمعاصي كبائرها وصغائرها سواء كان ظلما دائما ومقيما عليه أو موقتا قبل إسلامه وقبل توبته فان كل واحد من الأنواع موضوع مستقل برأسه في حرمان الظالم عن نيل العهد الإلهي الا ان يرد عليه مخصص متصل أو منفصل بالنسبة الى بعض الأنواع.
قال الجصاص في كتابه أحكام القرآن ج ١ ص ٨٨ طبع مصر ما خلاصته احتج الرافضة بقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) في رد أمامة أبي بكر وعمر أنهما كانا ظالمين حين كانا مشركين في الجاهلية وهذا جهل مفرط لان هذه السمة تلحق من كان مقيما على الظلم اما التائب منه فهذه السمة زائلة عنه فزال الحكم المتعلق بهذه السمة بزوالها الا ترى ان قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) نهى عن الركون إليهم ما داموا مقيمين عليه وقوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) اي نفى السبيل عنهم ما داموا على الإحسان الا ترى انه لا يشمل من تاب عن كفره كافرا ولا يسمى