الكبائر والصغائر كما هو ظاهر غير واحد من الآيات الدالة على التكفير وأورد عليه أيضا بأن إتيان الطاعات واجتناب الكبائر لو قلنا انها مكفرة للصغائر لكن التوبة أسبق من الكل لأنه يتحقق في الزمان المتصل بالمعصية لا يمكن فيه تحقق غيره غالبا.
والتحقيق في الجواب عن هذه المغالطة أن مرتبة تكفير المعاصي بالطاعات أو باجتناب الكبائر ليست في مرتبة وجوب التوبة فإن الكلام في وجوب التوبة من حيث الحكم التكليفي واما ما يفعل الله بعباده بفضله وكرمه فأجنبي عن محل الكلام فوعده تعالى وعد الصدق الذي وعده لأهل طاعته أن يغفر لهم ما سلف من الله والصغائر ليس ترخيصا في المعصية والإهمال في التوبة والرجوع اليه تعالى والاعتذار اليه سبحانه من التجري به وعن هتك حريمه وهذا الوجه بمكان من السقوط فوجوب التوبة من المستقلات العقلية وجميع ما ورد في الكتاب والسنة من الأمر به والحث عليه إرشاد به وتذكر اليه وتقريب ذلك ان الأحكام من الواجبات والمحرمات سواء كانت من المستقلات العقلية أو من التعبديات الشرعية المولوية لا بد من امتثالها والخروج عن عهدتها بالضرورة والإهمال في ذلك غير مسقط لوجوب الامتثال وهذا الوجوب باق بحاله كما كان وكذلك التصميم على المخالفة والعصيان في المستقبل فالتوبة واجبة بعين وجوب الامتثال بالبداهة العقلية فهي تجديد ايمان والتزام وأحكام عهد وتثبيت ميثاق كما صرح بذلك سيد العابدين صلوات الله عليه في دعائه في طلب التوبة قال ولك يا رب شرطي ان لا أعود في مكروهك وضماني الا أرجع في مذمومك وعهدي أن اهجر جميع معاصيك. الدعاء (٣١).
فتبين ان التكفير تكفير السيئات بالحسنات وتكفير الصغائر باجتناب الكبائر ليس في مرتبة التوبة ولا في عرضها فلا يمكن أن يكونا من إفراد الواجب التخييري ولا متزاحمين مع التوبة وليست أدلتهما معارضة بأدلة وجوب التوبة فحيث ان الوجوب وجوب إرشادي قال الشيخ (قده) فلا يترتب عقاب على تركها غير العقاب الذي يتوجه على أصل المعصية وقال ان مرادنا بالأمر الإرشادي ليس الا ما يترتب عليه أثر إلا ما يترتب على أصل العمل فالأوامر الإرشادية يدور مدار المرشد اليه كالتعلم الواجب للاحكام وأمثاله. أقول هذا الوجه غير مرض عندنا فإن التوبة لا يقاس بالتعلم وأمثاله فالتوبة في عين انها جبران لما خالف أمر ربه تعالى التزام بالطاعة وهذا الالتزام واجب وتركه تفريط في جنب المولى جل مجده وثانيا قد ذكرنا ان التوبة مصداق للامتثال الواجب وتغايرهما بحسب المفهوم والاعتبار لا بحسب المصداق فالكلام في وجوب التوبة بعينه في وجوب الامتثال واما حقيقة التوبة قيل هو الندم على ما فات وظاهر بعض الكلمات اشتراط الاستغفار فيه ، أقول الظاهر انه