الروحية ومن أعلى مراقي النفس الإنسانية ومرجعه ان يعرف سبحانه نفسه القدوس بكبريائه وجلاله وعدله لعبد من عباده المؤمنين فيعرفه بالكبرياء فيخشى ويدهش في عين كونه مكينا في مقام القرب فيتعرف الله إليه تارة بكرمه فيرجو ويطمئن ويتعرف إليه تارة بأنه محسن متفضل فيسأل ويتملق في عين انه عزيز بعزة ربه وهكذا بالنسبة الى كل واحد من نعوته وأسماءه جل ثناؤه فقلب المؤمن بين إصبعي الرحمن يقلبه كيف يشاء فيستغرق في أنوار معرفته نورا بعد نور وعرفانا بعد عرفان ولا تناهي لها. فتبين ان مرجع الخشية والخوف استضاءة الروح واستنارة النفس بالمعرفة ونزول السكينة وانشراح الصدر وهذه الخشية التي عين اليقين والعرفان مباين ذاتا وسنخا مع الخوف من الأمور المادية في مرتبة ضعف النفس وعجزها.
قوله تعالى (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ). تقدم في الآية السابقة ان الرجاء والتمني منه تعالى إيجاب لمورد الرجاء وتذكر الى حكم العقل الضروري فالاهتداء بهداية الله بعد هدايته واجب ضروري وإنكاره والاستنكاف عنه إنكار للحق المبين والحجة الواضحة.
قال في كنز العرفان وهناك آيات أخر يتعلق بالمساجد يحسن ذكرها تابعة لهذه الآيات الى ان قال الاولى (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (الأعراف ٢٨).
أقول الظاهر ان اقامة الوجوه عبارة عن توجهها على نحو الاستقامة من دون تمايل إلى شيء من جانبيه فلا بد من تقدير المتعلق اي لإثبات ما يتوجه اليه قال في الكشاف (أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ) اي اقصدوا عبادته مستقيمين إليها غير عادلين الى غيرها وقريب منه عبارة البيضاوي والمولى المحقق الأردبيلي (قده) وفي كنز العرفان تكون اقامة الوجه كناية عن الصلاة انتهى.
أقول قد ذكرنا ان اقامة الوجه عبارة عن توجيه الوجه ولا شاهد في الآية بشيء مما ذكروه من التأويل وقوله تعالى عند كل مسجد على ما سيجيء شرحه ظاهر في إثبات مكان التوجه وصريح قوله تعالى وادعوه في إثبات العبادة التي فيها التوجه فاذن لا مورد لتأويل أقيموا وجوهكم بالعبادة أو بالصلاة فتبين ان يكون المتعلق غير العبادة والصلاة ففي تفسير القياس عن أبي بصير في قول الله (أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ) قال هو الى القبلة وفي البرهان عن التهذيب بإسناده عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال سألت عن قوله الله عزوجل (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال هذه القبلة.
وفيه أيضا عنه مسندا عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في قوله (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال مساجد محدثة فأمروا أن يقيموا وجوههم شطر المسجد