يفقهوا معانيها وتدبير مدبرها ، فهم كالأنعام.
وأصله : أنهم لما لم يستعملوا تلك الحواس فيما جعلت لهم ، [وإنما جعلت لهم](١) لمعرفة حقائق الأشياء ، وما أدرج فيها من المعاني والحكمة ، فصاروا في الحقيقة كمن لا حواس له ؛ إذ (٢) لم ينتفعوا بها انتفاع من لهم تلك ؛ [بل كانوا كمن ليس لهم تلك](٣) ؛ لذلك نفى عنهم ، والله أعلم.
وقال قائلون : نفى عنهم هذه الحواس ؛ لما لم ينتفعوا بها انتفاع من لهم تلك ؛ بل كانوا كمن ليس لهم تلك الحواس للمعنى الذي جعلت تلك الحواس ، فهم كالأنعام ، بل هم أضل ؛ لأن هؤلاء إذا ضلوا الطريق فهدوا [وأرشدوا لا يهتدون ولا يرجعون عن ذلك ، والدواب إذا ضلوا الطريق فهدوا اهتدوا ،](٤) وعرفوا ، ومالوا إليه ، فهم أضل من الأنعام لما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ هُمْ أَضَلُ) لأن بنية الأنعام لا تحتمل فهم ذلك ، وبنية هؤلاء تحتمل ؛ إذ جعل لهم عقولا تميز وتعرف حكمة مدبرها ومنشئها ، لكنهم ضيعوها ، ولم يكن من الأنعام تضييع ؛ لذلك كان أولئك أضل.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) لما ختم الله على قلوبهم ؛ كقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [البقرة : ٧] فمن ثمّ (٥) لم تفقه قلوبهم ، ولم تبصر أعينهم ، ولم تسمع آذانهم.
وقال : ثم ضرب لهم مثلا فقال : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) في الأكل ؛ لأن همتهم ليست إلا الأكل والشرب ، كهمة الأنعام والبهائم ليست همتهم إلا الأكل والشرب وقضاء الشهوة ، فهي تسمع النداء ولا تعقل ؛ فعلى ذلك الكافر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) في فهم ما ألقي إليهم (بَلْ هُمْ أَضَلُ) ؛ لأنهم أعطوا سبب فهم ذلك ، والأنعام لا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ هُمْ أَضَلُ) ؛ لأن الأنعام تعرف ربها ، وتوحده ، وتذكره ؛ لقول الله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤] الآية ، وكقوله : (كُلٌ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : أو.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : ثمة.