وأما قولهم : إنه إخبار عما آل إليه (١) عاقبة أمرهم ، واستشهادهم بقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ ...) [القصص : ٨] فهو يصلح : لمن يجهل عواقب الأمور ، يخرج ذلك منه على التنبيه والإيقاظ ؛ لما لم يعرفوا عاقبة ما [به](٢) صار إليه الأمر ، فأما الله ـ سبحانه عالم السر والعلانية وما كان ويكون في الأوقات التي تكون ـ لا يحتمل ذلك.
وقول الناس :
لدوا للموت ، وابنوا للخراب.
فهو إنما يذكرون هذا عند التنبيه والإيقاظ لجهلهم بعواقب الأمور ، وإن كانوا لا يبنون ، ولا يلدون للموت والخراب ، وما قصدوا له.
وأما التأويل عندنا على ما ذكر في ظاهر الآية أنه خلق لجهنم كثيرا من الجن والإنس ، لما علم (٣) في الأزل أنهم يختارون فعل الكفر والأعمال الخبيثة التي يستوجبون بها النار خلقهم لجهنم ؛ لما علم منهم ذلك في الأزل أنهم يختارون الأعمال الخبيثة فذرأهم (٤) على ما علم منهم أنهم يختارون ويكون منهم ، وكذلك خلق المؤمنين للجنة ؛ لما علم في الأزل أنهم يختارون فعل الهدى ، ويعملون أعمالا طيبة يستوجبون بها الجنة ، خلقهم للجنة لا أن خلقهم للجنة مرسلا [أو خلقهم لجهنم مرسلا ،](٥) ولكن لما ذكرنا ، والله أعلم.
وأما قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
إنما خلق منهم للعبادة من علم أنه يعبده ويطيعه ، وأما من علم أنه يكفر به ويعصيه فهو إنما خلقه لما علم [أنه يكون منه](٦) ؛ فمن كان علم منه في الأزل أنه يكون منه العبادة خلقه للعبادة ، ومن كان علم منه أنه يكون منه الكفر خلقه لذلك ؛ لأنه لا يجوز أن يعلم منه المعصية وفعل الكفر فيخلقه على خلاف ذلك ؛ دل أنه على ما ذكرناه ، والله أعلم.
أو أن يقال : قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] الفريق الذي علم منه العبادة ، لا الكل ؛ دليله قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، ولم
__________________
(١) في أ : إليه آلت.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : أعلم.
(٤) في أ : قدر رآهم.
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : أنه خلقه يكون فيه الكفر.