والثاني : يحتمل أنهم قالوا : سيغفر لنا ، مع علمهم أنه لا يغفر لهم ؛ لما كان في كتابهم ألّا يغفر لهم إذا تناولوا مستحلين.
أو أنهم إذا عوتبوا على ما فعلوا قالوا : سيغفر لنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ).
يحتمل قوله : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) أنهم إذا استحلوا ذلك أضافوا ذلك إلى الله ، وقالوا : الله أمرنا بذلك ، فقال : ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ، أي : لا يضيفوا إلى الله ما استحلوا.
أو أن يقال : أخذ عليهم ألّا يقولوا : نحن أبناء الله وأحباؤه.
وقال بعضهم : قوله : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) فيما يوجبون على الله من مغفرة ذنوبهم التي لا يزالون يعودون لها ، ولا يتوبون عنها.
قال بعضهم (١) : قوله : (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) قال : يأخذونه إن كان حلالا أو حراما (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) ، وقال : قوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) سوء (وَرِثُوا الْكِتابَ) بعد أنبيائهم ، ورثهم الله الكتاب ، وعهد إليهم في سورة مريم (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) [مريم : ٥٩](يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) ، وهو ما ذكرنا.
وقال القتبي : الخلف : الرديء من الناس ومن الكلام ؛ يقال : هذا خلف من القول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَدَرَسُوا ما فِيهِ).
أي : قرءوا ما فيه وعلموه.
(وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
أي : يتقون الشرك ، أو يتقون مخالفة الله ومعاصيه ، أفلا يعقلون ما في كتابهم أن ترك مخالفة الله خير في الآخرة.
ثم أخبر عن المؤمنين فقال : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) ما فيه من الحلال ، والحرام (وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ).
__________________
(١) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ١٠٦) عن كل من : مجاهد (١٥٣٢٩ ، ١٥٣٣٠) ، قتادة (١٥٣٣٢ ، ١٥٣٣٣) ، السدي (١٥٣٣٤) ، ابن عباس (١٥٣٣٥).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦) وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد ، ولابن جرير عن ابن عباس ، ولعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.