جزاء ما كانوا يمنعون الناس عن اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم والإجابة له فيما يدعو إليه.
وقال قائلون (١) : هو في بني إسرائيل ، وهو ما قال : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ...) [الإسراء : ٤] إلى قوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٨] أخبر إن عادوا عدنا ، ولم يبين إن عادوا عدنا بما ذا ، ثم بين في هذه الآية بقوله : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ).
وقال قائلون : هذا إنما كان في هؤلاء الذين سبق ذكرهم في قوله : (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ) [الأعراف : ١٦٥].
قال أبو بكر الأصم : الآية لا تحتمل في هؤلاء ؛ لأن من آمن منهم لا (٢) يحتمل ذلك ، ومن صار منهم قرودا (٣) لم يحتمل ـ أيضا ـ بعد ما صاروا قرودا ، فهو ـ والله أعلم ـ على الوجهين اللذين ذكرناهما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ).
يأخذهم في حال أمنهم ، ليس كما يأخذ ملوك الأرض قومهم بعد ما يتقدم منهم إليهم تخويف ، فعند ذلك يأخذونهم بالعذاب (٤).
أو أن يقال : سريع العقاب ، أي : عن سريع يأخذهم عقابه.
وقوله : (لَسَرِيعُ الْعِقابِ) : لمن كفر وكذب ، غفور رحيم : لمن آمن وصدق بالله ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً).
يحتمل : فرقناهم في وقت بعد ما كانوا مجموعين.
ثم يحتمل الجمع وجهين :
كانوا مجموعين ثم تفرقوا ، فصار بعضهم كفارا وبعضهم مؤمنين.
أو كانوا مجموعين في المكان والمعاش والماء والكلأ ثم تفرقوا ، فصاروا متفرقين في المكان والمعاش وغيره.
أو كانوا في الدين واحدا ، ثم صاروا (٥) أصحاب أهواء.
ويحتمل قوله : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) أي : أمة بعد أمة ، وجماعة بعد جماعة ،
__________________
(١) ذكره بمعناه الرازي (١٥ / ٣٥) وكذا ابن عادل في اللباب (٩ / ٣٦٧).
(٢) في أ : لم.
(٣) في ب : قردا.
(٤) في ب : العذاب.
(٥) في ب : واحدا صاروا.