فقد ظلموا أنفسهم ؛ لما رجع (١) ضرر ذلك التعدي إليهم.
وهذه النعم التي ذكر لهم ـ جل وعلا ـ إنما جعلها لهم في حال العقوبة والابتلاء من المن والسلوى ، والعيون ، والغمام ، ويدل هذا على أن عقوبات الدنيا قد يشوبها لذة ونعمة ، وكذلك لذات الدنيا قد يمازجها شدائد وهموم ، فإنما تخلص وتصفو هذه النعم في الآخرة ، وكذلك العقوبة هنالك تخلص وتفارق اللذات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ).
قال عامة أهل التأويل : قوله : (اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) بيت المقدس (٢).
وأمكن أن تكون القرية التي ذكر ـ هاهنا ـ هي الأرض التي ذكرت في سورة المائدة ، وهو قوله : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) [المائدة : ٢١] أمرهم بالدخول فيها ، ونهاهم عن الارتداد على أدبارهم ، وأمرهم ـ [هاهنا](٣) ـ بالسكون فيها ، وأباح لهم التناول منها مما شاءوا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُولُوا حِطَّةٌ).
أي : ارجعوا إلى السبب الذي يحط الأوزار ، لا قولهم : حط عنا كذا ، وهو كما قال : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) [هود : ٣] ، أي : ائتوا بالسبب الذي به يغفر ، وهو التوحيد.
(وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) الآية.
قد مضى ذكر هذا في السورة التي فيها ذكر البقرة (٤).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ).
هذا ـ أيضا ـ ذكرناه فيها (٥) ، سوى أنه ذكر ـ هاهنا ـ (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً) ، وذكر في سورة البقرة : (فَأَنْزَلْنا) [البقرة : ٥٩] والقصة واحدة ؛ ليعلم أن اختلاف الألفاظ لا يوجب اختلاف المعاني والأحكام ، ولا تغييرها ، وذكر هاهنا : (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) ، [وذكر](٦) هنالك : (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف : ١٦٣] ، والفسق هو الخروج عن الأمر ، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، وقد كان منهم الأمران جميعا : الخروج
__________________
(١) في ب : لما يرجع.
(٢) ذكره ابن جرير (٦ / ٩٠) ، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (١ / ٤٦ ـ ٤٧).
(٣) سقط في ب.
(٤) آية (٥٨).
(٥) آية (٥٩).
(٦) سقط في أ.