لما برحمته يدخلون ، لا استيجابا لهم منه بذلك ، بل رحمة منه وفضلا.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : لما كان منهم من المساوئ والشرك إذا تابوا وآمنوا ، (رَحِيمٌ) : حيث لم يؤاخذهم بذلك.
قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١٠٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ).
يحتمل هذا أن يكون مربوطا معطوفا على قوله : (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ) مع السابقين الأولين ، أي : أولئك الذين آمنوا من بعد أولئك المهاجرين والأنصار يدخلهم في الجنة مع السابقين الأولين.
ويحتمل أن يكون على الابتداء ، لا على العطف على الأول ، ثم اختلف فيه :
قال بعضهم : السابقون الأولون في الإسلام والنصرة.
وقال بعضهم : الأولون في الهجرة والنصرة.
(وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) [أي والذين اتبعوا أولئك في الإسلام](١) على تأويل من جعل السابقة في الإسلام ، وعلى تأويل من جعل على الهجرة اتبعوهم بإحسان فريقين : المهاجرين والأنصار ، ولا يجعل طبقة ثالثة ، وأمّا قراءة العامة من القراء فهي على إثبات الواو (٢) ، وجعل طبقة ثالثة.
ثم منهم من قال من أهل التأويل (٣) : السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يرى أن الواو ساقطة من قوله : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) [التوبة : ١٠٠] ويقول : إن الموصول صفة لمن قبله ، حتى قال له زيد بن ثابت : إنها بالواو ، فقال : ائتوني بأبي ، فأتوه به ، فقال له : تصديق ذلك في كتاب الله في أول الجمعة (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)[الجمعة : ٣] ، وأوسط الحشر (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ)[الحشر : ١٠] ، وآخر الأنفال (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا)[الأنفال : ٧٥]. وروي أنه سمع رجلا يقرؤها بالواو ، فقال : من أقرأك؟ فقال : أبي فدعاه ، فقال : أقرأنيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإنك لتبيع القرظ بالبقيع ، قال : صدقت ، وإن شئت قل : شهدنا وغبتم ، ونصرنا وخذلتم ، وآوينا وطردتم ، ومن ثم قال عمر : لقد كنت أرانا رفعنا رفعة ، لا يبلغها أحد بعدنا.
ينظر : تفسير الطبري (٦ / ٤٥٥) ، والدر المنثور (٣ / ٤٨٣) ، واللباب (١٠ / ١٨٥).
(٣) أخرجه ابن جرير (٦ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤) (١٧١١٤ ـ ١٧١٢١) عن الشعبي وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٨٤) وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي الشيخ وأبي نعيم في المعرفة عن الشعبي.