ولم يكن [لهم](١) عذر في ذلك ؛ كقوله : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) [الأحزاب : ١٣] الآية ، فعلى ذلك الأول يحتمل هذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ).
قيل : مع النساء ، فهذا حرف تعيير وتوبيخ ، أي : رضوا بأن يكونوا في مشاهد النساء دون مشاهد الرجال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ).
أن للإيمان نورا يبصر به عواقب الأمور ، ويرفع الحجاب والستر عن القلوب وعن الأمور فتراها بادية ظاهرة ، وللكفر ظلمة تستر الظاهر من الأمور والبادى منها ، فتستر تلك الظلمة قلبه ، فذلك الطبع ، وقد ذكرنا الوجه فيه في غير موضع ، والله أعلم.
(فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ).
ما يلحقهم من التعيير برضاهم بالقعود مع الخوالف ، والفقه : هو معرفة الشيء بمعناه الدال على نظيره ، منعت تلك الظلمة أن تعرف الأشياء بمعانيها وبنظائرها للحجاب الذي ذكرنا.
قوله تعالى : (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٨٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)
يقول ـ والله أعلم ـ : إن الرسول والذين حققوا الإيمان والتصديق جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، أي : بذلوا أنفسهم وأموالهم لنصر (٢) دين الله ، وإظهار سبيله ، ولم يبخلوا كما بخل أهل النفاق في بذل أموالهم وأنفسهم في نصر دينه بالمجاهدة مع أعدائه ، ولم يحققوا الإيمان والتصديق ؛ أخبر أن للمؤمنين الذين حققوا الإيمان والتصديق ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ، وجاهدوا بها في نصر دين الله ، وإظهار سبيله ـ لهم الخيرات.
قال بعضهم : (لَهُمُ الْخَيْراتُ) : بالذكر في الدنيا ، والثناء الحسن ، وسلوك الناس طريقهم ، وفي الآخرة الثواب والجزاء.
وقيل : الخيرات في الآخرة ؛ لما بذلوا أنفسهم وأموالهم في نصر دينه ، والمجاهدة مع
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : في نصر.