أمرتني بالخروج ولم تأذن بالقعود والتخلف فقعدت وتخلفت ، كنت عاصيا ، تاركا لأمرك ، فكنت أنت سبب عصياني وفتنتي.
والثاني : قوله : (وَلا تَفْتِنِّي) ، أي : لا تأمرني المشقة والشدة ، ولكن الدعة والسعة والرخاء حيث كانوا مالوا إليهم ؛ كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ...) الآية [الحج : ١١] ، يقول : لا تكن سبب إثمي وانقلابي.
ومنهم من قال : إن رجلا منهم يقال له : الجدّ بن قيس قال : إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ، ولكن أعينك بمال ، ففيه نزل قوله : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) [التوبة : ٥٣] ، وهو قول ابن عباس (١) ؛ يقول : لا تأمرني بالخروج ؛ فإني مولع بالنساء ، لا أصبر إذا رأيتهن.
ولا ندري كيف كانت القصة ، لكن الوجوه فيه ما ذكرنا آنفا.
وقوله : (وَلا تَفْتِنِّي) ، أي : ولا تمتحني بالمحنة التي فيها الهلاك والمشقة ، فقال : (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي : ألا في [المشقة والفتنة والبلاء والهلاك سقطوا ؛ وهذا يدل أن أهل النفاق هم كفرة.
وقوله : (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي : ألا في](٢) الشر والإثم سقطوا ؛ على تأويل من تأول قوله : (وَلا تَفْتِنِّي) : لا تؤثمني ، ولا تخرجني.
وعلى تأويل من قال : (وَلا تَفْتِنِّي) : لا تشق على ، ولا تأمرني بالمشقة والشدة والضيق ، يقول : ألا في الشدة والضيق يسقطون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ).
أي : تحيط بهم حتى لا يجدوا منقذا ولا مخلصا.
أو تحيط بهم من تحت ومن فوق ، وأمام وخلف ، ويمين وشمال ، تحيط بهم حتى تصيب كل جارحة منهم ؛ كقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ...) الآية [الزمر : ١٦] ، أخبر أنها تحيط بهم.
وفيه دلالة : أن المنافقين هم كفار ؛ لأنه ذكر في أول الآية صفة المنافقين ، ثم أخبر أن جهنم تحيط بالكافرين.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٣٨٧) (١٦٨٠٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٤٣) وعزاه لابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة عن ابن عباس.
(٢) سقط في أ.