ويجعلون المحرم (١) عاما حراما وعاما حلالا ، فكان النسيء من الشيطان.
وصف رسول الله في هذه الأحاديث الأشهر الحرم وبينها ؛ فدل ذلك على أن النسيء (٢) كان يحرم القتال فيها ؛ على ما كان أهل الجاهلية يحرمونه ، وزاد ذلك بيانا يصيب أصحاب النسيء ؛ إذ كانوا يستحلون القتال في المحرم ، ويؤخرونه إلى صفر ، فيحرمون صفرا مكان المحرم ، فعاب الله عليهم تحليل ما حرم من الشهر ، وجعله زيادة في الكفر ، وقال : (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أي : عدة الأشهر الأربعة التي حرمها الله ، وقال : (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ).
ومنهم من قال : إن الله جعل عدة الشهور اثني عشر شهرا بالأهلة على ما عرفته العرب لما وفقوا إلى معرفة ذلك ، ولم يوفق غيرهم ، وإنما يعدون السنة بالأيام ، والعرب تعرفها بالأهلة على ما خلقها الله يوم خلق السموات والأرض (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
قال بعضهم : في الأشهر كلها لما جعل هذه الأشهر شهودا عليهم ، يشهدون بما يعملون فيها من المعاصي والخيرات ، وبها تنقضي آجالهم ؛ يخبر ألا تظلموا في هذه الأشهر التي تأتي لكم (٣) بكل خير ، وبكل نعمة ، فإنها تنصرف بما تعملون فيها من الخير والشر.
وقال بعضهم : قوله : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
أي : في الأربعة الحرم ، خص الأربعة وإن كان الظلم في الأشهر كلها لا يحل على ما خص مكة بترك الظلم ، وإن كان الظلم حراما في الأماكن كلها ؛ كقوله : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ ...) الآية [الحج : ٢٥] ، أي : لا تقاتلوا فيها ؛ إذ كل ظلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
قيل : ذلك الحساب حساب الأشهر قيم ، أي : صحيح مستقيم على ما خلقه الله.
__________________
(١) المحرم : هو أول الشهور العربية المعجم الوسيط (١ / ١٦٩) (حرم).
(٢) تأخير شهر إلى شهر ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يجعلون المحرم مكان صفر ، فيؤخرونه إليه.
وإنما كان يفعل ذلك المحاويج من كنانة ليغيروا على بعضهم فيستاقون إبلهم وغنمهم ، والفاعل لذلك هو جنازة بن عون. قال الشاعر مفتخرا بذلك : [من الوافر].
ألسنا الناسئين على معدّ |
|
شهور الحلّ نجعلها حراما؟ |
ينظر : عمدة الحفاظ (٤ / ١٩٢).
(٣) في أ : بكم.