فذلك يدل ـ أيضا ـ على تفضيل أمة محمد صلىاللهعليهوسلم على غيرها من الأمم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي).
كان مصطفى ومفضلا بالكلام على الناس كافة الأنبياء وغيرهم ؛ لأن الله تعالى لم يكلم أحدا من الرسل إلا بسفير سوى موسى ؛ فإنه كلمه ، ولم يكن بينهما سفير.
وأما قوله : (اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي) على أناس زمانه ، وأهله خاصة ، ويحتمل : برسالاتي التي بين موسى وبين الله تعالى ، وهذا ينقض على المعتزلة قولهم : إن الله تعالى لا يرسل رسولا إلا وهو يستحق الرسالة ، ولو كان طريقه الاستحقاق لا الإفضال والإحسان ، لم يكن للامتنان معنى ، دلّ أن طريقه الإفضال والإحسان لا الاستحقاق ، والله أعلم.
وعلى قول المعتزلة لا يكون الله مصطفيا (١) موسى ولا غيره من الأنبياء ، ولكن هم الذين اصطفوا أنفسهم].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) يخرج على وجهين :
أحدهما : القبول ، أي : اقبل ما أعطيتك ؛ كقوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) [التوبة : ١٠٣].
ويحتمل قوله : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) ، أي : اعمل بما آتيتك بأحسن العمل ، وكن من الشاكرين [لنعمته التي أنعمها عليه](٢) من التكليم والرسالة وغيرهما من النعم ، والله الموفق.
قوله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٤٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ).
يحتمل قوله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) وجهين :
أحدهما : أنه إنما أضاف ذلك إلى نفسه لما تولى كتابتها الملائكة البررة الكرام ،
__________________
(١) في ب : مصفيا.
(٢) في ب : لنعمه التي أنعمها عليك.