عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام إخوة يتوارثون بها ؛ لأنهم هاجروا وتركوا قراباتهم ، حتى أنزل الله آية المواريث (١).
__________________
(١) قال أبو عمر : وأقره في العيون ، والفتح ، ونقله في كتاب الصيام عن أصحاب المغازي : «كانت المؤاخاة مرتين :
الأولى : بين المهاجرين بعضهم بعضا قبل الهجرة على الحق والمواساة ، فآخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أبي بكر وعمر ، وبين حمزة وزيد بن حارثة ، وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عبد الرحمن ابن صالح الأسدي ـ وهو ثقة ـ عن زيد بن حارثة أنه قال : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم آخى بيني وبين حمزة ابن عبد المطلب ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين الزبير بن العوام وابن مسعود ، وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وبلال ، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص ، وبين عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ، وبين سعد بن أبي زيد بن عمرو بن نفيل وطلحة بن عبيد الله ، وبين علي بن أبي طالب ونفسه صلىاللهعليهوسلم. وروى الحاكم والخلعي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : «آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أصحابه ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وفلان ، حتى بقي علي ـ رضي الله عنه ـ تدمع عيناه ، فقال : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال : بلى يا رسول الله رضيت. قال : فأنت أخي في الدنيا والآخرة».
الثانية : قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ حالف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا. رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود ، وروى الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والبخاري وأبو داود السجستاني وأبو الشيخ والطبراني عن ابن عباس مختصرا وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عنه مطولا وابن سعد ، والحاكم وصححه عن الزبير بن العوام ، وابن سعد عن الزهري وإبراهيم التيمي وضمرة بن سعيد ، قالوا : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة أخى بين المهاجرين والأنصار ، آخى بينهم على الحق والمواساة ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : فآخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة ، وبين أبي بكر الصديق وخارجة بن زيد بن الحارث ، وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك ، وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش ـ ويقال : بينه وبين عبد الله بن مسعود ، وبين طلحة ابن عبيد الله وكعب بن مالك ، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ، وقال لسائر أصحابه : «تواخوا ، وهذا أخي ـ يعني علي بن أبي طالب».
قام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال ، وكان مما شد الله به عقد نبيه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال : ٧٢ ـ ٧٤] فأحكم الله بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، يتوارث الذين آخوا دون من كان مقيما بمكة من ذوي الأرحام والقرابات ، فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله ، فلما كان بعد بدر أنزل الله تعالى الآية الأخرى فنسخت ما كان قبلها ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الأنفال : ٧٥].
وانقطعت المؤاخاة في الميراث ، ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذو ورحمه.
وروى الخرائطي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ، ما ـ