وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ).
أخبر أن ما أنفقوا في سبيل الله يوفى إليهم ذلك ، إما الخلف في الدنيا ؛ كقوله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) [سبأ : ٣٩] ، وإما في الآخرة الثواب.
(وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) [يحتمل وجهين :
يحتمل : (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)](١) :
فيما يأمركم بالجهاد في سبيل الله ، واتخاذ العدة والإنفاق فيها ؛ إذ (٢) أنفسكم وأموالكم لله له أن يأخذها منكم.
والثاني : (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) في الثواب في الآخرة ، أي : يعطيكم الثواب في الآخرة أو (٣) الخلف في الدنيا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها).
قرئ بالنصب (٤) : للسلم ، وقرئ بالخفض (٥) : للسلم
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : أن.
(٣) في أ : و.
(٤) هي قراءة نافع والكسائي وابن كثير.
فقيل : هما بمعنى ، وهو الصلح مثل : رطل ، ورطل ، وجسر ، وجسر ، وهو يذكر ويؤنث ، قال تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها)[الأنفال : ٦١] ، وحكوا : «بنو فلان سلم وسلم» ، وأصله من الاستسلام ، وهو الانقياد ، قال تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)[البقرة : ١٣١] الإسلام : إسلام الهدى ، والسلم على الصلح ، وترك الحرب راجع إلى هذا المعنى ؛ لأن كل واحد كصاحبه ، ويطلق على الإسلام ، قاله الكسائي وجماعة ، وأنشدوا :
دعوت عشيرتي للسلم لما |
|
رأيتهم تولوا مدبرينا |
ينشد بالكسر ، وقال آخر في المفتوح :
شرائع السّلم قد بانت معالمها |
|
فما يرى الكفر إلا من به خبل |
فالسّلم والسّلم في هذين البيتين بمعنى : الإسلام ، إلا أن الفتح فيما هو بمعنى الإسلام قليل ، وقرأ الأعمش بفتح السين واللام : «السلم».
وقيل : بل هما مختلفا المعنى ، فبالكسر الإسلام ، وبالفتح : الصلح.
قال أبو عبيدة : وفيه ثلاث لغات : السلم والسلم والسلم ، بالفتح والكسر والضم.
انظر : السبعة (١٨١) ، والحجة (٢ / ٢٩٢) ، وحجة القراءات (١٣٠) ، والعنوان (٧٣) وشرح شعلة (٢٨٨) ، وشرح الطيبة (٤ / ٩٥ ـ ٩٦) ، وإتحاف الفضلاء (١ / ٤٣٥) ، واللباب (٣ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤).
(٥) قرأها بالخفض هنا أبو بكر وحده عن عاصم ، والتي في البقرة آية (٢٠٨).
والتي في القتال آية (٣٥) لم يقرأها بالكسر إلا حمزة وأبو بكر أيضا.
ينظر : الإملاء للعكبري (٢ / ٢٥) ، والتبيان (٥ / ١٧٤) ، والحجة لابن خالويه (١٧٢) ، والكشاف للزمخشري (٢ / ١٣٣).