وأما غيرها من الحروب والمغازي فلا تخرجوا إليها إلا مستعدين لها.
وبعد : فإنهم إنما تركوا الاستعداد طاعة لربهم ، وفي الاشتغال بالاستعداد ترك للطاعة له ، وأمر ـ عزوجل ـ بالاعتداد لهم ما استطاعوا من الأسباب ؛ لما أن ذلك أرهب للعدو من ترك الاستعداد ، وإن كان ـ عزوجل ـ قادرا أن ينصرهم على عدوهم بلا سبب يجعله لأنفسهم ، وهو كقوله : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) [الحشر : ١٣].
فأمر الله بالأسباب في الحروب ، وإن كان قادرا على نصر أوليائه على عدوه بلا سبب ، لكنه أمر بالأسباب ؛ لما أن جميع أمور الدنيا جعلها بالأسباب ، من نحو الموت والحياة وجميع الأشياء ، وإن كان يقدر على إبقاء الإنسان والخلائق جميعا بلا غذاء يجعل لهم ، والموت بلا مرض ولا سبب ، ولكن فصل بما ذكرنا.
ثم اختلف في قوله : (مِنْ قُوَّةٍ) ؛ قال بعضهم (١) : القوة : الرمي ، وعلى ذلك رووا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) فقال : «ألا إن القوة الرمي» ، قال ذلك ثلاثا (٢).
ويحتمل قوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) : ما تقوون به [في](٣) الحروب.
قال بعضهم (٤) : القوة : السلاح.
وقال غيرهم (٥) : الخيل.
وأمكن أن تكون جميع أسباب الحرب.
وفيه دلالة أن القوة التي هي أسباب الفعل يجوز أن تتقدم ، ويكون قوله : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) [التوبة : ٤٢] أراد استطاعة الأسباب لا استطاعة الفعل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) ، أمر برباط
__________________
(١) أخرجه البيهقي عن عقبة بن عامر ، وابن المنذر عن مكحول وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس كما في الدر المنثور للسيوطي (٣ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩).
(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٥٢٢) كتاب الإمارة ، باب فضل الرمي والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه (١٦٧ / ١٩١٧) ، وأبو داود (٢ / ١٦) كتاب الجهاد ، باب في الرمي (٢٥١٤) ، وابن جرير (٦ / ٢٧٤) (١٦٢٣٩) (١٦٢٤٤) عن عقبة بن عامر ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٤٨) وزاد نسبته لأحمد وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عقبة ابن عامر الجهني.
(٣) سقط في ب.
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ٢٧٥) (١٦٢٤٧) عن السدي.
(٥) ذكره بمعناه البغوي في تفسيره (٢ / ٢٥٨) ، وكذا السيوطي (٣ / ٣٤٩) وعزاه لأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس.