__________________
ـ الوجوب ، أما حكمه في الندب فلا ، بخلاف التعبير بقولهم : «الأمر بالشيء نهي عن ضده» ؛ فإنه يفيد حكم الضد فيهما ؛ لأن الأمر بالشيء بصيغته عند عدم القرينة التي تصرف عن الوجوب إلى الندب يدل على الوجوب ، ومع القرينة الصارفة يدل على الندب ، فالتعبير بالأمر يتناول الوجوب والندب ، والتعبير بالنهي يتناول التحريم والكراهة ؛ لأن النهي إن كان جازما ، فهو التحريم ، وإن كان غير جازم فهو الكراهة. ومن هذا المنطلق يكون الأمر بالشيء دالا على تحريم الضد إن كان الأمر للوجوب ، ودالا على كراهته إن كان الأمر للندب ؛ فيكون التعبير بقولهم : «الأمر بالشيء نهى عن ضده» مفيدا لحكم الضد في النوعين.
ثانيا ـ أن التعبير بقولهم : «وجوب الشيء ... إلخ» فيه باب لحكم النقيض في الوجوب مطلقا ، أي : سواء كان الوجوب مأخوذا من صيغة الأمر ، أو من غيرها ، مثل فعل الرسول صلىاللهعليهوسلم والقياس ، وغير ذلك ، بخلاف التعبير بقولهم : «الأمر بالشيء ... إلخ» ؛ فإنه لا يفيد إلا حكم الضد في الوجوب المأخوذ من صيغة الأمر دون حكم الضد في الوجوب المستفاد من غيرها.
ثالثا ـ أن التعبير بقولهم : «الأمر بالشيء نهي عن ضده ... إلخ» يفيد أن محل الخلاف في هذه المسألة هو ضد المأمور به ، وليس نقيضه.
أما التعبير بقولهم : «وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه» فإنه يفيد أن نقيض الواجب موضع خلاف بينهم ، وأن من العلماء من يقول بأن : «الأمر بالشيء ليس دالا على النهي عن نقيضه» وهو باطل ؛ لأن الإجماع منعقد على أن نقيض الواجب منهي عنه ؛ لأن إيجاب الشيء هو طلبه مع المنع من تركه ، والمنع من الترك هو النهي عن الترك ، والترك هو النقيض ؛ فيكون النقيض منهيا عنه ، فالدال على الإيجاب ـ وهو الأمر ـ دال على النهي عن النقيض ؛ لأنه جزؤه ، ضرورة أن الدال على الكل يكون دالا على الجزء بطريق التضمن.
وإذا كان الأمر كذلك تعين أن يكون الخلاف في الضد فقط ، ووجب أن يكون التعبير عن ذلك النزاع بما يدل صراحة على محله ، والذي يفيد ذلك هو العبارة الأولى لا الثانية.
ويرى أبو الحسن الأشعري ، والقاضي أبو بكر الباقلاني في أول أقواله أن الأمر بشيء معين إيجابا أو ندبا نهي عن ضده الوجودي تحريما أو كراهة ، سواء كان الضد واحدا كالتحرك بالنسبة إلى السكون المأمور به في قول القائل : «اسكن» أو أكثر كالقيام وغيره بالنسبة إلى القعود المطلوب للأمر بقوله : «اقعد».
ومعنى كونه نهيا أن الطلب واحد ، ولكنه بالنسبة إلى السكون في مثالنا أمر ، وبالنسبة إلى التحرك نهي كما يكون الشيء الواحد بالنسبة إلى شيء قريبا ، وإلى آخر بعيدا.
ومثل الشيء المعين في ذلك الشيء الواحد المبهم من أشياء معينة بالنظر إلى مفهومه ، وهو الأحد الذي يدور بينهما ؛ فإن الأمر به نهي عن ضده الذي هو ما عداها ، بخلافه بالنظر إلى فرده المعين ؛ فليس الأمر به نهيا عن ضده منها.
وذهب القاضي الباقلاني في آخر ما قال ، والإمام الرازي ، وسيف الدين الآمدي ، وأيضا القاضي عبد الجبار ، وأبو الحسين من المعتزلة ـ إلى أن الأمر بشيء معين مطلقا يدل على النهي عن ضده استلزاما ؛ فالأمر بالسكون يستلزم النهي عن التحرك ، أي : طلب الكف عنه.
وذهب أبو المعالي الجويني ، والغزالي إلى أن الأمر بشيء معين مطلقا ، لا يدل على النهي عن ضده لا مطابقة ولا التزاما.
وذهب بعض العلماء إلى أن أمر الإيجاب يدل على النهي عن ضده التزاما دون أمر الندب ؛ فلا يدل على النهي عن ضده لا مطابقة ولا التزاما.
والذي نختاره من هذه الآراء : أن الأمر بالشيء إيجابا أو ندبا يستلزم النهي عن ضده تحريما أو ـ