أيمنا ، ويقضي منه مغرمنا ، فأبينا إلا أن يسلمه إلينا ، فأبى ذلك علينا (١).
فدل فعل عمر هذا على أن التأويل في الخمس كان عنده أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يصل به قرابته ، ويسد بالخمس حاجتهم ؛ إذ كان جعل سبيل الخمس ما ذكرنا أنه لله ، بمعنى أنه يصرف في [وجوه التقرب](٢) إليه ، فلو كان الخمس حقّا لجميع القرابة أعطى من ذلك غنيهم وفقيرهم ، وما يأخذه الأغنياء من الخمس فإنه لا يجري مجرى الصدقة ، ولا يجري مجرى القرابة (٣) ، فبان بذلك أنه لا يعطى منه أغنياؤهم ؛ بل [يصرف](٤) إلى فقرائهم على قدر حاجتهم ؛ إذ لم يكن له مكاسب سواه يصل بها كما يكون لغيره من الناس من المكاسب وأنواع الحرف.
ومما يدل على أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعطى بعض القرابة دون بعض : ما روي عن جبير بن مطعم (٥) قال : لما قسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سهم ذي (٦) القربى بين بني هاشم وبني المطلب ، أتيت أنا وعثمان ، فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله فيهم ، أرأيت بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ، فقال : «إنهم لا يفارقوني في جاهلية ولا إسلام ، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» ، وشبك بين أصابعه (٧).
وقوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ...) إلى آخر ما ذكر ، بين أن خمس الغنيمة يصرف في وجوه البرّ والقرب إلى الله ، ثم فسر تلك الوجوه فقال : (وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٢٥٢) (١٦١٢٩) و (١٦١٣١) ، وذكره السيوطي (٣ / ٣٧٧) وزاد نسبته للشافعي وعبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : القربة.
(٤) سقط في أ.
(٥) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي ، أبو محمد أو أبو عدي المدني ، أسلم قبل حنين أو يوم الفتح ، له ستون حديثا ، اتفقا على ستة ، وانفرد البخاري بحديث ، ومسلم بآخر. روى عنه ابناه محمد ونافع ، وسليمان بن صرد وابن المسيب وطائفة ، وكان حليما وقورا عارفا بالنسب ، وذكر ابن إسحاق أن النبي صلىاللهعليهوسلم أعطاه مائة من الإبل. توفي سنة تسع أو ثمان وخمسين بالمدينة.
ينظر : تهذيب الكمال (١ / ١٨٤) ، وتهذيب التهذيب (٢ / ٦٣) ، وخلاصة تهذيب الكمال (١ / ١٦١) ، وتاريخ البخاري الكبير (٢ / ٢٢٥) ، والجرح والتعديل (١ / ٥١٣) ، (٢ / ٢١١٧) ، والثقات (٤ / ١١٢) ، والوافي بالوفيات (١١ / ٥٩).
(٦) في ب : ذوي.
(٧) أخرجه ابن جرير (٦ / ٢٥٢) (١٦١٣٣) وابن أبي شيبة (٦ / ٥١٦) (٣٣٤٤٨) ، وكذا ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٣٨) وعزاه لابن أبي شيبة عن جبير بن مطعم.