لله ؛ لما جعلها لإقامة العبادات وأنواع القرب ، فأضيف إلى الله ذلك ؛ فعلى ذلك تحتمل إضافة ذلك السهم إلى الله ؛ لما جعله لإقامة العبادات والقرب وأنواع البر ، والله سبحانه أعلم.
والثاني : أضاف ذلك إلى نفسه خصوصية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ كان ذلك لرسوله ، وكان رسول الله في جميع أحواله وأموره [لله](١) خالصا ، لم يكن لنفسه ولا لأحد من الخلق ؛ فعلى ذلك جميع ماله وما كانت تحويه يده لم يكن له ، إنما كان ذلك لله خالصا ، يصرف ذلك في أنواع القرب والبرّ ؛ في القرابة ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، الأحياء منهم والأموات جميعا ، والقريب منهم والبعيد جميعا.
ألا ترى أنه قال : «إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة» (٢) ، هذا يدل أن ما يتركه صدقة لا يورث عنه ، ولو كان له لتوارث ورثته ما يورث عن غيره ؛ دل أن نفسه وماله كان لله خالصا ، وكذلك جميع أموره لله.
ألا ترى أنه روي في الخبر أنه كان يجوع يوما ، ويشبع يوما ، ويجوع ثلاثا (٣) ، وكان يربط الحجر على بطنه للجوع (٤).
فإذا [كان ذلك](٥) كان إضافة ذلك الخمس إلى الله لخصوصية له ، وخلوص نفسه وماله له ، وإن كان جميع الخلائق وما تحويه أيديهم لله حقيقة ، لكن لهم فيها الانتفاع وقضاء الحوائج والتدبير لأنواع التصرف في ذلك ، ولمشاركته غيره في ذلك لم يخصه بالإضافة إليه ، وإن كان ذلك كله لله حقيقة.
ولما كانت نفس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما تحويه يده لله لا تدبير له في ذلك ، ولا شرك لأحد فيه ، خصّ بإضافة ذلك إليه وكله لله حقيقة ، وهذا كما قال ـ والله أعلم ـ : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الحج : ٥٦] ، وقال : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ) [غافر : ١٦] ، وقال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤] ، وقال : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) [إبراهيم : ٢١] خصّ بالذكر ملك ذلك اليوم والبروز له ؛ لما ينقطع يومئذ تدبير جميع ملوك الأرض ، ويذهب سلطانهم
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٩٩٣) كتاب الكلام ، باب ما جاء في تركة النبي صلىاللهعليهوسلم (٢٧) ، والبخاري (١٢ / ٨) كتاب الفرائض ، باب لا نورث ما تركنا صدقة (٦٧٣٠) ، ومسلم (٣ / ١٣٧٩) كتاب الجهاد ، باب لا نورث ما تركنا فهو صدقة (١٧٥٨) ، وأحمد (٦ / ٢٦٢) عن عائشة مرفوعا بلفظ : (لا نورث ما تركناه ، فهو صدقة) ، وذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٧ / ٣٩٦).
(٣) أخرجه الترمذي (٢٣٤٧) وقال : حديث حسن.
(٤) أخرجه الترمذي (٢٣٧١) وقال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(٥) سقط في أ. ـ