القتل والإهلاك لمن خالفهم فيما هم فيه ، ثم لم يقدر أحد منهم الضرر به ؛ دل أنه كان بالله حفظه ، وكذلك سائر الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ حيث قالوا بين ظهراني قومهم ـ من نحو هود ونوح وهؤلاء ـ : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) [هود : ٥٥] وقال (١) نوح : (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ ...) [هود : ٣٨] الآية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ ...) الآية.
ذكر هذا على إثر قوله : (ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) ؛ كما ذكر هود : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) [هود : ٥٤ ـ ٥٦] ، وكما قال نوح : (إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) [يونس : ٧١] ، فزعوا إلى الله ـ عزوجل ـ عند وعيد قومهم بالإهلاك ، وعليه اعتمدوا ، وبه وثقوا ؛ فعلى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) أي : هو وليي يحفظني ، وهو يتولى حفظ الصالحين ، أي : بتوليه صلحوا.
أو يتولى ويحفظ الصالحين مقابل قول من ذكرنا من الرسل لقومهم.
ثم قوله : (وَلِيِّيَ اللهُ) عزوجل.
يحتمل : حافظي وناصري.
أو وليّ تدبيري الله (الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ).
أو ولي أمري.
أو أولى بي الله (الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) الذي عجزت الخلائق عن إتيان مثله (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) يذكر سفههم بعبادتهم من عجز عن دفع الضرر عن نفسه ، فضلا أن يدفع ذلك عنهم أو يجروا إلى أنفسهم منفعة ، وأخبر عن جهلهم أنهم يعبدون من لا يملك دفع ضر ولا جر نفع.
وقوله : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) : هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : يخاطب به المؤمنين بقوله :
__________________
(١) في ب : وقول.