أيضا على مدّ داخل في حكمه. والمعنى : ثم قبضنا ذلك الظلّ الممدود ، ومحوناه عند إيقاع شعاع الشمس موقعه بالتدريج ، حتى انتهى ذلك الإظلال إلى العدم والاضمحلال. وقيل : المراد في الآية قبضه عن قيام الساعة بقبض أسبابه ، وهي الأجرام النيرة ، والأوّل أولى. والمعنى : أن الظلّ يبقى في هذا الجوّ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا ، وخلفه في هذا الجوّ شعاع الشمس ، فأشرقت على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها ، فإذا غربت فليس هناك ظلّ ، إنما فيه بقية نور النهار ، وقال قوم : قبضه بغروب الشمس ، لأنها إذا لم تغرب فالظلّ فيه بقية ، وإنما يتمّ زواله بمجيء الليل ودخول الظلمة عليه. وقيل : المعنى : ثم قبضنا ضياء الشمس بالفيء (قَبْضاً يَسِيراً) ومعنى إلينا : أن مرجعه إليه سبحانه كما أن حدوثه منه. قبضا يسيرا ، أي على تدريج قليلا قليلا بقدر ارتفاع الشمس ، وقيل : يسيرا سريعا ، وقيل : المعنى يسيرا علينا ، أي : يسيرا قبضه علينا ليس بعسير (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) شبه سبحانه ما يستر من ظلام الليل باللباس الساتر. قال ابن جرير : وصف الليل باللباس تشبيها من حيث أنه يستر الأشياء ويغشاها ، واللام متعلقة بجعل (وَالنَّوْمَ سُباتاً) أي : وجعل النوم سباتا ، أي : راحة لكم لأنكم تنقطعون عن الاشتغال ، وأصل السبات : التمدد ، يقال : سبتت المرأة شعرها ، أي نقضته وأرسلته. ورجل مسبوت : أي ممدود الخلقة. وقيل للنوم : ثبات ، لأنه بالتمدد يكون ، وفي التمدد معنى الراحة. وقيل : السبت : القطع ، فالنوم انقطاع عن الاشتغال ، ومنه سبت اليهود لانقطاعهم عن الاشتغال. قال الزجاج : السبات النوم ، وهو أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه ، أي : جعلنا نومكم راحة لكم. وقال الخليل : السبات نوم ثقيل ، أي : جعلنا نومكم ثقيلا ليكمل الإجمام والراحة (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) أي : زمان بعث من ذلك السبات ، شبه اليقظة بالحياة كما شبه النوم بالسبات الشبيه بالممات. وقال في الكشاف : إن السبات الموت ، واستدل على ذلك بكون النشور في مقابلته (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) قرئ «الرّيح» وقرئ «بشرا» بالباء الموحدة وبالنون ، وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في الأعراف (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) أي : يتطهر به كما يقال وضوء للماء الذي يتوضأ به. قال الأزهري : الطهور في اللغة الطاهر المطهر ، والطهور ما يتطهر به. قال ابن الأنباري : الطهور بفتح الطاء الاسم ، وكذلك الوضوء والوقود ، وبالضم المصدر ، هذا هو المعروف في اللغة ، وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر ، ويؤيد ذلك كونه بناء مبالغة. وروي عن أبي حنيفة أنه قال : الطهور هو الطاهر ، واستدل لذلك بقوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) (١) يعني : طاهرا ، ومنه قول الشاعر :
خليليّ هل في نظرة بعد توبة |
|
أداوي بها قلبي عليّ فجور |
إلى رجّح الأكفال غيد من الظّبا |
|
عذاب الثّنايا ريقهنّ طهور |
فوصف الريق بأنه طهور وليس بمطهر ، ورجح القول الأوّل ثعلب ، وهو راجع لما تقدّم من حكاية الأزهري لذلك عن أهل اللغة. وأما وصف الشاعر للريق بأنه طهور ، فهو على طريق المبالغة ، وعلى كل حال
__________________
(١). الإنسان : ٢١.