كذلك نزلناه ، ورتلناه ترتيلا ، ومعنى الترتيل : أن يكون آية بعد آية ، قاله النخعي والحسن وقتادة. وقيل : إن المعنى بيناه تبيينا ، حكي هذا عن ابن عباس. وقال مجاهد : بعضه في إثر بعض. وقال السديّ : فصلناه تفصيلا. قال ابن الأعرابي : ما أعلم الترتيل إلا التحقيق والتبيين. ثم ذكر سبحانه أنهم محجوجون في كلّ أوان مدفوع قولهم بكل وجه وعلى كل حالة فقال : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) أي : لا يأتيك. ـ يا محمد ـ المشركون بمثل من أمثالهم التي من جملتها اقتراحاتهم المتعنتة إلا جئناك في مقابلة مثلهم بالجواب الحق الثابت الذي يبطل ما جاءوا به من المثل ويدمغه ويدفعه. فالمراد بالمثل هنا : السؤال والاقتراح ، وبالحق جوابه الذي يقطع ذريعته ، ويبطل شبهته ، ويحسم مادته. ومعنى (أَحْسَنَ تَفْسِيراً) جئناك بأحسن تفسير ، فأحسن تفسيرا معطوف على الحق ، والاستثناء بقوله : (إِلَّا جِئْناكَ) مفرّغ ، والجملة في محل نصب على الحال ، أي : لا يأتونك بمثل إلا في حال إيتائنا إياك ذلك. ثم أوعد هؤلاء الجهلة وذمهم فقال : (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) أي : يحشرون كائنين على وجوههم ، والموصول : مبتدأ ، وخبره : أولئك ، أو هو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين ، ويجوز نصبه على الذمّ. ومعنى يحشرون على وجوههم : يسحبون عليها إلى جهنم (أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً) أي : منزلا ومصيرا (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) وأخطأ طريقا ، وذلك لأنهم قد صاروا في النار. وقد تقدّم تفسير مثل هذه الآية في سورة سبحان ، وقد قيل إن هذا متصل بقوله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس في قوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) قال : يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد : الجنّ والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق ، فتنشقّ السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجنّ والإنس وجميع الخلق ، فيحيطون بالجنّ والإنس وجميع الخلق فيقول أهل الأرض : أفيكم ربنا؟ فيقولون لا ثم تنشقّ السماء الثانية مثل ذلك ، ثم كذلك في كلّ سماء إلى السماء السابعة ، وفي كل سماء أكثر من السماء التي قبلها ، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون ، وهم أكثر من أهل السموات السبع والإنس والجنّ وجميع الخلق ، لهم قرون كعكوب القثاء ، وهم تحت العرش ، لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى ، ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ، ومن ركبته إلى فخذه مسيرة خمسمائة عام ، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام ، وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام. وإسناده عند ابن جرير هكذا : قال حدّثنا القاسم ، حدّثنا الحسين ، حدّثني الحجاج ابن مبارك بن فضالة عن عليّ بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس فذكره. وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد هكذا : قال حدّثنا محمد بن عمار بن الحارث ، حدثنا مؤمل ، حدّثنا حماد بن سلمة عن عليّ بن زيد به. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند ، قال السيوطي : صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة لا يؤذيه ، وكان رجلا حليما ، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه ، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام ، فقالت قريش : صبأ أبو