جميعا ، والإمام ينوب عنهم ، إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) يقال : رأف يرأف رأفة على وزن فعلة ، ورآفة : على وزن فعالة ، مثل النشأة والنشاءة ، وكلاهما بمعنى : الرقة والرحمة ، وقيل : هي أرق الرحمة. وقرأ الجمهور «رأفة» بسكون الهمزة ، وقرأ ابن كثير بفتحها ، وقرأ ابن جريج «رآفة» بالمد كفعالة ، ومعنى «في دين الله» في طاعته وحكمه ، كما في قوله : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) (١) ثم قال مثبتا للمأمورين ومهيجا لهم : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) كما تقول للرجل تحضه على أمر : إن كنت رجلا فافعل كذا ، أي : إن كنتم تصدّقون بالتوحيد والبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، فلا تعطلوا الحدود (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : ليحضره زيادة في التنكيل بهما ، وشيوع العار عليهما وإشهار فضيحتهما ، والطائفة : الفرقة التي تكون حافة حول الشيء ، من الطوف ، وأقلّ الطائفة : ثلاثة ، وقيل : اثنان ، وقيل : واحد ، وقيل : أربعة ، وقيل : عشرة.
ثم ذكر سبحانه شيئا يختص بالزاني والزانية ، فقال : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً).
قد اختلف أهل العلم في معنى هذه الآية على أقوال : الأوّل : أن المقصود منها تشنيع الزنا وتشنيع أهله وأنه محرّم على المؤمنين ، ويكون معنى الزاني لا ينكح : الوطء لا العقد ، أي : الزاني لا يزني إلا بزانية ، والزانية إلا بزان ، وزاد ذكر المشركة والمشرك لكون الشرك أعمّ في المعاصي من الزنا. وردّ هذا الزجاج وقال : لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج ، ويردّ هذا الردّ بأن النكاح بمعنى الوطء ثابت في كتاب الله سبحانه ، ومنه قوله : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢) فقد بينه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، بأن المراد به : الوطء ، ومن جملة القائلين بأن معنى الزاني لا ينكح إلا زانية الزاني لا يزني إلا بزانية سعيد بن جبير ، وابن عباس وعكرمة ، كما حكاه ابن جرير عنهم ، وحكاه الخطابي عن ابن عباس. القول الثاني : أن الآية هذه نزلت في امرأة خاصة كما سيأتي بيانه فتكون خاصة بها كما قاله الخطابي. القول الثالث : أنها نزلت في رجل من المسلمين ، فتكون خاصة به قال مجاهد. الرابع : أنها نزلت في أهل الصفة ، فتكون خاصة بهم قاله أبو صالح. الخامس : أن المراد بالزاني والزانية المحدودان ، حكاه الزجاج وغيره عن الحسن قال : وهذا حكم من الله ، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوّج إلا محدودة. وروي نحوه عن إبراهيم النخعي ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. قال ابن العربي : وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا. السادس : أن الآية هذه منسوخة بقوله سبحانه (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (٣) قال النحاس : وهذا القول عليه أكثر العلماء. القول السابع : أن هذا الحكم مؤسس على الغالب ، والمعنى : أن غالب الزناة لا يرغب إلا في الزواج بزانية مثله ، وغالب الزواني لا يرغبن إلا في الزواج بزان مثلهن ، والمقصود زجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنا ، وهذا أرجح الأقوال ، وسبب النزول يشهد له كما سيأتي.
وقد اختلف في جواز تزوّج الرجل بامرأة قد زنى هو بها ، فقال الشافعي وأبو حنيفة بجواز ذلك. وروي
__________________
(١). يوسف : ٧٦.
(٢). البقرة : ٢٣٠.
(٣). النور : ٣٢.