قال الزجاج : ما يلقى هذه الفعلة وهذه الحالة ، وهي دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ ، واحتمال المكروه (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) في الثواب والخير. وقال قتادة : الحظ العظيم الجنة ، أي : ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة ، وقيل : الضمير في يلقاها عائد إلى الجنة ، وقيل : راجع إلى كلمة التوحيد. قرأ الجمهور (يُلَقَّاها) من التلقية ، وقرأ طلحة بن مصرف وابن كثير في رواية عنه «يلاقاها» من الملاقاة. ثم أمره سبحانه بالاستعاذة من الشيطان فقال : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) النزغ شبيه النخس ، شبه به الوسوسة لأنها تبعث على الشرّ ؛ والمعنى : وإن صرفك الشيطان عن شيء مما شرعه الله لك ، أو عن الدفع بالتي هي أحسن فاستعذ بالله من شرّه ، وجعل النزغ نازغا على المجاز العقلي كقولهم : جدّ جدّه ، وجملة (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تعليل لما قبلها ، أي : السميع لكلّ ما يسمع ، والعليم بكلّ ما يعلم ، ومن كان كذلك فهو يعيذ من استعاذ به.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته ، فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) وكان إذا أخفى قراءته لم يسمع من يحبّ أن يسمع القرآن ، فأنزل الله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (١) وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وابن عساكر عن عليّ بن أبي طالب أنه سئل عن قوله : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) قال : هو ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس. وأخرج الترمذي ، والنسائي ، والبزار ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي ، وابن مردويه عن أنس قال : «قرأ علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) قال : قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حين يموت فهو ممن استقام عليها. وأخرج ابن المبارك ، وعبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، ومسدد ، وابن سعد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران عن أبي بكر الصديق في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئا. وأخرج ابن راهويه وعبد بن حميد ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) ، و (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) قالوا : الذين قالوا ربنا الله ثم عملوا بها واستقاموا على أمره فلم يذنبوا ، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم : لم يذنبوا. قال : لقد حملتموهما على أمر شديد. (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) ـ يقول بشرك ، والذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس (ثُمَّ اسْتَقامُوا) قال : على شهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج ابن المبارك ، وسعيد بن منصور ، وأحمد في الزهد ، وعبد بن حميد ، والحكيم
__________________
(١). الإسراء : ١١٠.