وقيل : إن هذا من قول الملائكة. قال مجاهد : يقولون لهم نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة قالوا : لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة. وقال السدّي : نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة. وقيل : إنهم يشفعون لهم في الآخرة ، ويتلقونهم بالكرامة (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) من صنوف اللذات وأنواع النعم (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) أي : ما تتمنون ، افتعال من الدعاء بمعنى الطلب ، وقد تقدّم بيان معنى هذا في قوله : (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) مستوفى ، والفرق بين الجملتين أن الأولى باعتبار شهوات أنفسهم ، والثانية باعتبار ما يطلبونه أعم من أن يكون مما تشتهيه أنفسهم أولا. وقال الرازي : الأقرب عندي أن قوله : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) الآية ، وانتصاب (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) على الحال من الموصول ، أو من عائده ، أو من فاعل تدّعون ، أو هو مصدر مؤكد لفعل محذوف ، أي : أنزلناه نزلا ، والنزل : ما يعدّلهم حال نزولهم من الرزق والضيافة ، وقد تقدم تحقيقه في سورة آل عمران (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) أي : إلى توحيد الله وطاعته. قال الحسن : هو المؤمن أجاب الله دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من طاعته (وَعَمِلَ صالِحاً) في إجابته (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لربي. وقال ابن سيرين ، والسدّي ، وابن زيد : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وروي هذا أيضا عن الحسن. وقال عكرمة ، وقيس بن أبي حازم ، ومجاهد : نزلت في المؤذنين. ويجاب عن هذا بأن الآية مكية ، والأذان إنما شرع بالمدينة. والأولى حمل الآية على العموم كما يقتضيه اللفظ ويدخل فيها من كان سببا لنزولها دخولا أوليا ، فكل من جمع بين دعاء العباد إلى ما شرعه الله ، وعمل عملا صالحا ، وهو تأدية ما فرضه الله عليه مع اجتناب ما حرمه عليه ، وكان من المسلمين دينا لا من غيرهم فلا شيء أحسن منه ، ولا أوضح من طريقته ، ولا أكثر ثوابا من عمله. ثم بين سبحانه الفرق بين محاسن الأعمال ومساويها فقال : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) أي : لا تستوي الحسنة التي يرضى الله بها ويثيب عليها ، ولا السيئة التي يكرهها الله ويعاقب عليها ، ولا وجه لتخصيص الحسنة بنوع من أنواع الطاعات ، وتخصيص السيئة بنوع من أنواع المعاصي ، فإن اللفظ أوسع من ذلك. وقيل : الحسنة التوحيد ، والسيئة الشرك. وقيل : الحسنة المداراة ، والسيئة الغلظة. وقيل : الحسنة العفو ، والسيئة : الانتصار. وقيل : الحسنة العلم ، والسيئة : الفحش. قال الفراء (لا) في قوله : (وَلَا السَّيِّئَةُ) زائدة (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان ، والذنب بالعفو ، والغضب بالصبر ، والإغضاء عن الهفوات ، والاحتمال للمكروهات. وقال مجاهد وعطاء : بالتي هي أحسن : يعني بالسلام إذا لقي من يعاديه ، وقيل : بالمصافحة عند التلاقي (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن ، والمعنى : أنك إذا فعلت ذلك الدفع صار العدوّ كالصديق ، والبعيد عنك كالقريب منك. وقال مقاتل : نزلت في أبي سفيان بن حرب كان معاديا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فصار له وليا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبينه ، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام حميما بالصهارة ، وقيل غير ذلك ، والأولى حمل الآية على العموم (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا)