الحاء على أنه جمع نحس ، وقرأ الباقون بكسرها ، واختار أبو حاتم القراءة الأولى لقوله : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (١) واختار أبو عبيد القراءة الثانية (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : لكي نذيقهم ، والخزي : هو الذل ، والهوان بسبب ذلك الاستكبار (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) أي : أشدّ إهانة وذلا ، ووصف العذاب بذلك ، وهو في الحقيقة وصف للمعذبين ، لأنهم الذين صاروا متصفين بالخزي (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) أي : لا يمنعون من العذاب النازل بهم ، ولا يدفعه عنهم دافع. ثم ذكر حال الطائفة الأخرى فقال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) أي : بينا لهم سبيل النجاة ودللناهم على طريق الحقّ بإرسال الرسل إليهم ، ونصب الدلالات لهم من مخلوقات الله ، فإنها توجب على كل عاقل أن يؤمن بالله ويصدّق رسله. قال الفراء : معنى الآية : دللناهم على مذهب الخير بإرسال الرسل. قرأ الجمهور (وَأَمَّا ثَمُودُ) بالرفع ومنع الصرف. وقرأ الأعمش وابن وثاب بالرفع والصرف وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق وعاصم في رواية بالنصب والصرف وقرأ الحسن وابن هرمز وعاصم في رواية بالنصب والمنع ، فأما الرفع فعلى الابتداء والجملة بعد الخبر ، وأما النصب فعلى الاشتغال وأما الصرف فعلى تفسير الاسم بالأب أو الحي ، وأما المنع فعلى تأويله بالقبيلة (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) أي اختاروا الكفر على الإيمان وقال أبو العالية اختاروا العمى على البيان وقال السدّي : اختاروا المعصية على الطاعة (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) قد تقدّم أن الصاعقة اسم للشيء المهلك لأيّ شيء كان ، والهون : الهوان والإهانة ، فكأنه قال أصابهم مهلك العذاب ذي الهوان أو الإهانة ، ويقال عذاب هون : أي مهين كقوله : (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (٢) والباء في (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) للسببية ، أي : بسبب الذي كانوا يكسبونه ، أو بسبب كسبهم (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) وهم صالح ومن معه من المؤمنين فإن الله نجاهم من ذلك العذاب ثم لما ذكر سبحانه ما عاقبهم به في الدنيا ذكر ما عاقبهم به في الآخرة فقال : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) وفي وصفهم بكونهم أعداء الله مبالغة في ذمهم ، والعامل في الظرف محذوف دلّ عليه ما بعده تقديره : يساق الناس يوم يحشر ، أو باذكر ، أي : اذكر يوم يحشرهم. قرأ الجمهور (يُحْشَرُ) بتحتية مضمومة ورفع (أَعْداءُ) على النيابة ، وقرأ نافع «نحشر» بالنون ونصب أعداء ، ومعنى حشرهم إلى النار سوقهم إليها أو إلى موقف الحساب ، لأنه يتبين عنده فريق الجنة ، وفريق النار (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي : يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا ، ويجتمعوا ، كذا قال قتادة والسدّي وغيرهما ، وقد سبق تحقيق معناه في سورة النمل مستوفى (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) أي : جاءوا النار التي حشروا إليها أو موقف الحساب و (ما) مزيدة للتوكيد (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) في الدنيا من المعاصي. قال مقاتل : تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم بالشرك ، والمراد بالجلود : هي جلودهم المعروفة في فول أكثر المفسرين. وقال السدّي ، وعبيد بن أبي جعفر ، والفراء : أراد بالجلود الفروج ، والأوّل أولى (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) وجه تخصيص الثلاثة بالشهادة دون غيرها ما ذكره الرازي أن الحواس الخمس : وهي السمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، واللمس ، وآلة المس :
__________________
(١). القمر : ١٩.
(٢). سبأ : ١٤.