على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإذا دعي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو محقّ أذعن وعلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم سيقضي له بالحقّ ، وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أعرض وقال : أنطلق إلى فلان ، فأنزل الله سبحانه (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله : (هُمُ الظَّالِمُونَ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كان بينه وبين أخيه شيء فدعاه إلى حكم من حكّام المسلمين فلم يجب ، فهو ظالم لا حقّ له». قال ابن كثير بعد أن ساق هذا المتن ما لفظه : وهذا حديث غريب وهو مرسل. وقال ابن العربي : هذا حديث باطل ، فأما قوله : فهو ظالم ، فكلام صحيح. وأما قوله : فلا حق له ، فلا يصح. ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق انتهى. وأقول : أما كون الحديث مرسلا فظاهر. وأما دعوى كونه باطلا فمحتاجة إلى برهان ، فقد أخرجه ثلاثة من أئمة الحديث عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما ذكرنا ، ويبعد كل البعد أن ينفق عليهم ما هو باطل ، وإسناده عند ابن أبي حاتم هكذا : قال ابن أبي حاتم : حدّثنا أبيّ ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدّثنا مبارك ، حدّثنا الحسن فذكره. وليس في هؤلاء كذاب ولا وضاع. ويشهد له ما أخرجه الطبراني عن الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من دعي إلى سلطان فلم يجب ، فهو ظالم لا حقّ له». انتهى. ولا يخفاك أن قضاة العدل وحكام الشرع الذين هم على الصفة التي قدّمنا لك قريبا هم سلاطين الدين المترجمون عن الكتاب والسنة ، المبينون للناس ما نزل إليهم. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أتى قوم النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله! لو أمرتنا أن نخرج من أموالنا لخرجنا ، فأنزل الله (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في الآية قال : ذلك في شأن الجهاد ، قال يأمرهم أن لا يحلفوا على شيء (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) قال أمرهم أن يكون منهم طاعة معروفة للنبي صلىاللهعليهوسلم من غير أن يقسموا. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يقول : قد عرفت طاعتكم ، أي : إنكم تكذبون به. وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال : «قدم زيد بن أسلم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يأخذون منّا الحقّ ولا يعطونا؟ قال : فإنّما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم» وأخرج ابن جرير وابن قانع والطبراني عن علقمة بن وائل الحضرمي عن سلمة بن يزيد الجعفي قال : قلت يا رسول الله ، فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن الزبير عن جابر أنه سأل : إن كان عليّ إمام فاجر فلقيت معه أهل ضلالة أقاتل أم لا؟ قال : قاتل أهل الضلالة أينما وجدتهم ، وعلى الإمام ما حمل وعليكم ما حملتم. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء في قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) الآية. قال : فينا نزلت ونحن في خوف شديد ، وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وعبادته وحده لا شريك له سرّا ، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال ، حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموا المدينة ، فأمرهم الله بالقتال ، وكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح ، فغبروا (١) بذلك ما شاء الله ، ثم إن رجلا من أصحابه قال : يا رسول الله! أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لن تغبروا إلا
__________________
(١). غبر ، يغبر غبورا : بقي. والغابرين : الماكثين الباقين.