بحيث يكون الملك لهم ولعقبهم من بعدهم ، وجملة (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) معطوفة على التي قبلها. قرأ ابن كثير وابن محيصن ويعقوب وأبو بكر (لَيُبَدِّلَنَّهُمْ) بالتخفيف من أبدل ، وهي قراءة الحسن ، واختارها أبو حاتم. وقرأ الباقون بالتشديد من بدّل ، واختارها أبو عبيد ، وهما لغتان ، وزيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى ، فقراءة التشديد أرجح من قراءة التخفيف. قال النحاس : وزعم أحمد بن يحيى ثعلب أن بين التخفيف والتثقيل فرقا ، وأنه يقال بدّلته ، أي : غيرته ، وأبدلته : أزلته وجعلت غيره. قال النحاس ، وهذا القول صحيح. والمعنى : أنه سبحانه يجعل لهم مكان ما كانوا فيه من الخوف من الأعداء أمنا ، ويذهب عنهم أسباب الخوف الذي كانوا فيه بحيث لا يخشون إلا الله سبحانه ولا يرجون غيره. وقد كان المسلمون قبل الهجرة وبعدها بقليل في خوف شديد من المشركين ، ولا يخرجون إلا في السلاح ، ولا يمسون ويصبحون إلى على ترقب لنزول المضرّة بهم من الكفار ، ثم صاروا في غاية الأمن والدعة ، وأذلّ الله لهم شياطين المشركين وفتح عليهم البلاد ، ومهّد لهم في الأرض ، ومكّنهم منها ، فلله الحمد ، وجملة (يَعْبُدُونَنِي) في محل نصب على الحال ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة للثناء عليهم ، وجملة (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) في محل نصب على الحال من فاعل يعبدونني ، أي : يعبدونني ، غير مشركين بي في العبادة شيئا من الأشياء ، وقيل معناه : لا يراءون بعبادتي أحدا ، وقيل معناه : لا يخافون غيري ، وقيل معناه : لا يحبون غيري (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي : من كفر هذه النعم بعد ذلك الوعد الصحيح ، أو من استمرّ على الكفر ، أو من كفر بعد إيمان ، فأولئك الكافرون همّ الفاسقون ؛ أي : الكاملون في الفسق. وهو الخروج عن الطاعة والطغيان في الكفر وجملة (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) معطوفة على مقدّر يدلّ عليه ما تقدّم ، كأنه قيل لهم : فآمنوا واعملوا صالحا وأقيموا الصلاة ، وقيل : معطوف على (أَطِيعُوا اللهَ) وقيل التقدير : فلا تكفروا وأقيموا الصلاة. وقد تقدّم الكلام على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وكرّر الأمر بطاعة الرسول للتأكيد وخصه بالطاعة ، لأن طاعته طاعة لله ، ولم يذكر ما يطيعونه فيه لقصد التعميم كما يشعر به الحذف على ما تقرّر في علم المعاني ، من أن مثل هذا الحذف مشعر بالتعميم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي : افعلوا ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول ، راجين أن يرحمكم الله سبحانه (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) قرأ ابن عامر وحمزة وأبو حيوة «لا يحسبنّ» بالتحتية بمعنى : لا يحسبنّ الذين كفروا ، وقرأ الباقون بالفوقية ، أي : لا تحسبنّ يا محمد ، والموصول : المفعول الأوّل ، ومعجزين : الثاني ، لأن الحسبان يتعدّى إلى مفعولين ، قاله الزجاج والفرّاء وأبو علي. وأما على القراءة الأولى ، فيكون المفعول الأول محذوفا ، أي : لا يحسبنّ الذين كفروا أنفسهم. قال النحاس : وما علمت أحدا بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطئ قراءة حمزة ، ومعجزين معناه : فائتين. وقد تقدّم تفسيره وتفسير ما بعده.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ) الآية قال : أناس من المنافقين أظهروا الإيمان والطاعة ، وهم في ذلك يصدّون عن سبيل الله وطاعته ، وجهاد مع رسوله صلىاللهعليهوسلم. وأخرجوا أيضا عن الحسن قال : إن الرجل كان يكون بينه وبين الرجل خصومة ، أو منازعة