يضلّ الله من هو مسرف في معاصي الله مستكثر منها مرتاب في دين الله شاك في وحدانيته ووعده ووعيده ، والموصول في قوله : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) بدل من «من». والجمع باعتبار معناها ، أو بيان لها ، أو صفة ، أو في محل نصب بإضمار أعني ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين ، أو : مبتدأ ، وخبره : يطبع ، و (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) متعلق بيجادلون ، أي : يجادلون في آيات الله بغير حجة واضحة ، و (أَتاهُمْ) صفة لسلطان (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) يحتمل أن يراد به التعجب ، وأن يراد به الذمّ كبئس ، وفاعل كبر ضمير يعود إلى الجدال المفهوم من يجادلون ، وقيل : فاعله ضمير يعود إلى من في «من هو مسرف» والأوّل أولى. وقوله : (عِنْدَ اللهِ) متعلق بكبر ، وكذلك (عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) قيل : هذا من كلام الرجل المؤمن ، وقيل : ابتداء كلام من الله سبحانه (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) أي : كما طبع على قلوب هؤلاء المجادلين فكذلك يطبع : أي يختم على كلّ قلب متكبر جبار. قرأ الجمهور بإضافة قلب إلى متكبر ، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد ، وفي الكلام حذف وتقديره : كذلك يطبع الله على كلّ قلب كل متكبر ، فحذف كلّ الثانية لدلالة الأولى عليها ، والمعنى : أنه سبحانه يطبع على قلوب جميع المتكبرين الجبارين ، وقرأ أبو عمرو ، وابن محيصن ، وابن ذكوان عن أهل الشام بتنوين قلب على أن متكبر صفة له ، فيكون القلب مرادا به الجملة ، لأن القلب هو محل التكبر ، وسائر الأعضاء تبع له في ذلك ، وقرأ ابن مسعود على قلب كلّ متكبر. ثم لما سمع فرعون هذا رجع إلى تكبره وتجبره معرضا عن الموعظة نافرا من قبولها وقال : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) أي : قصرا مشيدا كما تقدّم بيان تفسيره (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) أي الطرق. قال قتادة والزهري والسدّي والأخفش : هي الأبواب. وقوله : (أَسْبابَ السَّماواتِ) بيان للأسباب ، لأن الشيء إذا أبهم ثم فسر كان أوقع في النفوس ، وأنشد الأخفش عند تفسيره للآية بيت زهير :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه |
|
ولو رام أسباب السّماء بسلّم |
وقيل : أسباب السموات الأمور التي يستمسك بها (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) قرأ الجمهور بالرفع عطفا على أبلغ ، فهو على هذا داخل في حيز الترجي. وقرأ الأعرج ، والسلمي ، وعيسى بن عمر وحفص بالنصب على جواب الأمر في قوله : (ابْنِ لِي) أو على جواب الترجي كما قال أبو عبيد وغيره. قال النحاس : ومعنى النصب خلاف معنى الرفع ، لأن معنى النصب : متى بلغت الأسباب اطلعت ، ومعنى الرفع : لعلي أبلغ الأسباب ، ولعلي أطلع بعد ذلك ، وفي هذا دليل على أن فرعون كان بمكان من الجهل عظيم ، وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جدّا (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) أي : وإني لأظنّ موسى كاذبا في ادعائه بأن له إلها ، أو فيما يدّعيه من الرسالة (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) أي : ومثل ذلك التزيين زين الشيطان لفرعون سوء عمله من الشرك والتكذيب ، فتمادى في الغيّ واستمرّ على الطغيان (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) أي : سبيل الرشاد. قرأ الجمهور «وصدّ» بفتح الصاد والدال : أي صدّ فرعون الناس عن السبيل ، وقرأ الكوفيون «وصدّ» بضم الصاد مبنيا للمفعول ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم ، ولعلّ وجه الاختيار لها منهما كونها مطابقة لما أجمعوا عليه في زين من البناء للمفعول ، وقرأ يحيى بن وثاب ، وعلقمة «صد» بكسر الصاد ،