اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠))
ثم كرّر ذلك الرجل المؤمن تذكيرهم ، وحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم ، فقال الله حاكيا عنه : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) أي : مثل يوم عذاب الأمم الماضية الذين تحزبوا على أنبيائهم ، وأفرد اليوم لأن جمع الأحزاب قد أغنى عن جمعه ، ثم فسر الأحزاب فقال : (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : مثل حالهم في العذاب ، أو مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب ، أو مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر والتكذيب (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أي : لا يعذبهم بغير ذنب ، ونفي الإرادة للظلم يستلزم نفي الظلم بفحوى الخطاب. ثم زاد في الوعظ والتذكير فقال : (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) قرأ الجمهور «التناد» بتخفيف الدال وحذف الياء ، والأصل التنادي ، وهو التفاعل من النداء ، يقال تنادى القوم : أي نادى بعضهم بعضا ، وقرأ الحسن ، وابن السميقع ، ويعقوب ، وابن كثير ، ومجاهد بإثبات الياء على الأصل ، وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وعكرمة بتشديد الدال. قال بعض أهل اللغة هو لحن ، لأنه من ندّ يندّ : إذا مرّ على وجهه هاربا. قال النحاس : وهذا غلط ، والقراءة حسنة على معنى التنافي. قال الضحاك : في معناه أنهم إذا سمعوا بزفير جهنم ندّوا هربا ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفا من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله : (يَوْمَ التَّنادِ) وعلى قراءة الجمهور المعنى : يوم ينادي بعضهم بعضا ، أو ينادي أهل النار أهل الجنة ، وأهل الجنة أهل النار ، أو ينادى فيه بسعادة السعداء ، وشقاوة الأشقياء ، أو يوم ينادى فيه كلّ أناس بإمامهم ، ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني ، وقوله : (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) بدل من يوم التناد ، أي : منصرفين عن الموقف إلى النار ، أو فارّين منها. قال قتادة ومقاتل : المعنى إلى النار بعد الحساب ، وجملة (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) في محل نصب على الحال ، أي : ما لكم من يعصمكم من عذاب الله ، ويمنعكم منه (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يهديه إلى طريق الرشاد. ثم زاد في وعظهم وتذكيرهم فقال : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ) أي : يوسف بن يعقوب ، والمعنى : أن يوسف بن يعقوب جاءهم بالمعجزات ، والآيات الواضحات من قبل مجيء موسى إليهم ، أي : جاء إلى آبائكم ، فجعل المجيء إلى الآباء مجيئا إلى الأبناء. وقيل : المراد بيوسف هنا يوسف بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب ، وكان أقام فيهم نبيا عشرين سنة. وحكى النقاش عن الضحاك أن الله بعث إليهم رسولا من الجنّ يقال له يوسف ، والأوّل أولى. وقد قيل إن فرعون موسى أدرك أيام يوسف بن يعقوب لطول عمره (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) من البينات ولم تؤمنوا به (حَتَّى إِذا هَلَكَ) يوسف (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) فكفروا به في حياته وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) أي : مثل ذلك الضلال الواضح