له. قرأ حفص (وَيَتَّقْهِ) بإسكان القاف على نية الجزم. وقرأ الباقون بكسرها ، لأن جزم هذا الفعل بحذف آخره ، وأسكن الهاء أبو عمرو وأبو بكر واختلس الكسرة يعقوب وقالون عن نافع والمثنى عن أبي عمرو وحفص وأشبع كسرة الهاء الباقون. قال ابن الأنباري : وقراءة حفص هي على لغة من قال : لم أر زيدا ، ولم أشتر طعاما يسقطون الياء للجزم ثم يسكنون الحرف الذي قبلها ومنه قول الشاعر :
قالت سليمى اشتر لنا دقيقا
وقول الآخر :
عجبت لمولود وليس له أب |
|
وذي ولد لم يلده أبوان |
وأصله يلد بكسر اللام ، وسكون الدال للجزم ، فلما سكن اللام التقى ساكنان ، فلو حرك الأوّل لرجع إلى ما وقع الفرار منه ، فحرك ثانيهما وهو الدال. ويمكن أن يقال إنه حرك الأوّل على أصل التقاء الساكنين ، وبقي السكون على الدال لبيان ما عليه أهل هذه اللغة ولا يضرّ الرجوع إلى ما وقع الفرار منه ، فهذه الحركة غير تلك الحركة والإشارة بقوله : فأولئك هم الفائزون إلى الموصوفين بما ذكر من الطاعة والخشية والتقوى ، أي : هم الفائزون بالنعيم الدنيوي ، والأخروي ، لا من عداهم. ثم حكى سبحانه عن المنافقين أنهم لما كرهوا حكمه ، أقسموا بأنه لو أمرهم بالخروج إلى الغزو لخرجوا فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) أي : لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجن ، وجهد أيمانهم منتصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المحذوف الناصب له ، أي : أقسموا بالله يجهدون أيمانهم جهدا. ومعنى جهد أيمانهم : طاقة ما قدروا أن يحلفوا ، مأخوذ من قولهم جهد نفسه : إذا بلغ طاقتها وأقصى وسعها. وقيل : هو منتصب على الحال والتقدير : مجتهدين في أيمانهم ، كقولهم : افعل ذلك جهدك ، وطاقتك ، وقد خلط الزمخشري الوجهين فجعلهما واحدا. وجواب القسم قوله : (لَيَخْرُجُنَ) ولما كانت مقالتهم هذه كاذبة ، وأيمانهم فاجرة ردّ الله عليهم ، فقال : (قُلْ لا تُقْسِمُوا) أي : ردّ عليهم زاجرا لهم ، وقل لهم لا تقسموا ، أي : لا تحلفوا على ما تزعمونه من الطاعة والخروج إلى الجهاد إن أمرتم به ، وهاهنا تمّ الكلام. ثم ابتدأ فقال : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) وارتفاع طاعة على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : طاعتهم طاعة معروفة بأنها طاعة نفاقية لم تكن عن اعتقاد ، ويجوز أن تكون طاعة مبتدأ ، لأنها قد خصصت بالصفة ، ويكون الخبر مقدرا ، أي : طاعة معروفة أولى بكم من أيمانكم ، ويجوز أن ترتفع بفعل محذوف ، أي : لتكن منكم طاعة أو لتوجد ، وفي هذا ضعف لأن الفعل لا يحذف إلا إذا تقدّم ما يشعر له. وقرأ زيد بن عليّ ، والترمذي ، طاعة بالنصب على المصدر لفعل محذوف ، أي : أطيعوا طاعة (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من الأعمال وما تضمرونه من المخالفة لما تنطق به ألسنتكم ، وهذه الجملة تعليل لما قبلها من كون طاعتهم طاعة نفاق. ثم أمر الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يأمرهم بطاعة الله ورسوله فقال : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) طاعة ظاهرة وباطنة ، بخلوص اعتقاد ، وصحة نية ، وهذا التكرير منه تعالى لتأكيد وجوب الطاعة عليهم ، فإن قوله : (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) في حكم الأمر بالطاعة ، وقيل :