وحكم رسوله ، فالداعي إلى التحاكم إليهم قد دعا إلى الله وإلى رسوله ، أي : إلى حكمهما. قال ابن خويز منداد : واجب على كل من دعى إلى مجلس الحاكم أن يجيب ، ما لم يعلم أن الحاكم فاسق. قال القرطبي : في هذه الآية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم ، لأن الله سبحانه ذمّ من دعي إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه فلم يجب بأقبح الذمّ ، فقال : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) الآية. انتهى ، فإن كان القاضي مقصرا ، لا يعلم بأحكام الكتاب والسنة ، ولا يعقل حجج الله ، ومعاني كلامه ، وكلام رسوله ، بل كان جاهلا جهلا بسيطا ، وهو من لا علم له بشيء من ذلك ، أو جهلا مركبا ، وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ، ولكنه قد عرف بعض اجتهادات المجتهدين ، واطلع على شيء من علم الرأي ، فهذا في الحقيقة جاهل ، وإن اعتقد أنه يعلم بشيء من العلم ، فاعتقاده باطل ؛ فمن كان من القضاة هكذا ، فلا تجب الإجابة إليه ، لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه ، بل هو من قضاة الطاغوت ، وحكام الباطل ، فإنّ ما عرفه من علم الرأي إنما رخص في العمل به للمجتهد الذي هو منسوب إليه ، عند عدم الدليل من الكتاب والسنة ، ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتي بعده. وإذا تقرّر لديك هذا وفهمته حق فهمه علمت أن التقليد والانتساب إلى عالم من العلماء دون غيره والتقيد بجميع ما جاء به من رواية ورأي وإهمال ما عداه من أعظم ما حدث في هذه الملة الإسلامية من البدع المضلة ، والفواقر الموحشة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد أوضحنا هذا في مؤلفنا الذي سميناه [القول المفيد في حكم التقليد] وفي مؤلفنا الذي سميناه [أدب الطلب ومنتهى الأرب] فمن أراد أن يقف على حقيقة هذه البدعة التي طبقت الأقطار الإسلامية فليرجع إليهما. ثم لما ذكر ما كان عليه أهل النفاق ، أتبع بما يجب على المؤمنين أن يفعلوه إذا دعوا إلى حكم الله ورسوله ، فقال : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) قرأ الجمهور : بنصب (قول) على أنه خبر كان واسمها أن يقولوا. وقرأ عليّ والحسن وابن أبي إسحاق برفع «قول» على أنه الاسم ، وأن المصدرية وما في حيزها الخبر ، وقد رجحت القراءة الأولى بما تقرّر عند النحاة من أنه إذا اجتمع معرفتان ، وكانت إحداهما أعرف ، جعلت التي هي أعرف اسما. وأما سيبويه فقد خير بين كلّ معرفتين ولم يفرق هذه التفرقة ، وقد قدّمنا الكلام على الدعوة إلى الله ورسوله للحكم بين المتخاصمين ، وذكرنا من تجب الإجابة إليه من القضاة ، ومن لا تجب (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي : أن يقولوا هذا القول لا قولا آخر ، وهذا وإن كان على طريقة الخبر فليس المراد به ذلك ، بل المراد به تعليم الأدب الشرعي عند هذه الدعوة من أحد المتخاصمين للآخر. والمعنى : أنه ينبغي للمؤمنين أن يكونوا هكذا بحيث إذا سمعوا الدعاء المذكور قابلوه بالطاعة والإذعان. قال مقاتل وغيره : يقولون سمعنا قول النبي صلىاللهعليهوسلم وأطعنا أمره ، وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرّهم ، ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله : (وَأُولئِكَ) أي : المؤمنون الذين قالوا هذا القول (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الفائزون بخير الدنيا والآخرة ، ثم أردف الثناء عليهم بثناء آخر ، فقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) وهذه الجملة مقرّرة لما قبلها من حسن حال المؤمنين وترغيب من عداهم إلى الدخول في عدادهم والمتابعة لهم في طاعة الله ورسوله والخشية من الله عزوجل والتقوى