قوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) قرأ الجمهور (عَبْدَهُ) بالإفراد. وقرأ حمزة ، والكسائي «عباده» بالجمع ، فعلى القراءة الأولى المراد النبيّ صلىاللهعليهوسلم أو الجنس ، ويدخل فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخولا أوّليا ، وعلى القراءة الأخرى المراد : الأنبياء ، أو المؤمنون ، أو الجميع ، واختار أبو عبيد قراءة الجمهور لقوله عقبه (وَيُخَوِّفُونَكَ) والاستفهام للإنكار لعدم كفايته سبحانه على أبلغ وجه كأنها بمكان من الظهور لا يتيسر لأحد أن ينكره. وقيل : المراد بالعبد والعباد : ما يعمّ المسلم ، والكافر. قال الجرجاني : إن الله كاف عبده المؤمن ، وعبده الكافر هذا بالثواب ، وهذا بالعقاب. وقرئ «بكافي عباده» بالإضافة ، وقرئ «يكافي» بصيغة المضارع ، وقوله : (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يجوز أن يكون في محل نصب على الحال ، إذ المعنى أليس كافيك حال تخويفهم إياك ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، والذين من دونه عبارة عن المعبودات التي يعبدونها (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي : من حقّ عليه القضاء بضلالة ؛ فما له من هاد يهديه إلى الرّشد ، ويخرجه من الضلالة ، (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) يخرجه من الهداية ، ويوقعه في الضلالة (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) أي : غالب لكل شيء قاهر له (ذِي انْتِقامٍ) ينتقم من عصاته بما يصبه عليهم من عذابه وما ينزله بهم من سوط عقابه (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) ذكر سبحانه اعترافهم إذا سئلوا عن الخالق بأنه الله سبحانه مع عبادتهم للأوثان ، واتخاذهم الآلهة من دون الله ، وفي هذا أعظم دليل على أنهم كانوا في غفلة شديدة وجهالة عظيمة لأنهم إذا علموا أن الخالق لهم ولما يعبدون من دون الله هو الله سبحانه ، فكيف استحسنت عقولهم عبادة غير خالق الكل ؛ وتشريك مخلوق مع خالقه في العبادة؟ وقد كانوا يذكرون بحسن العقول ، وكمال الإدراك ، والفطنة التامة ، ولكنهم لما قلدوا أسلافهم وأحسنوا الظنّ بهم هجروا ما يقتضيه العقل ، وعملوا بما هو محض الجهل. ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يبكتهم بعد هذا الاعتراف ويوبخهم فقال : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) أي : أخبروني عن آلهتكم هذه هل تقدر على كشف ما أراده الله بي من الضرّ ، والضر هو الشدّة أو أعلى (أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) عني بحيث لا تصل إليّ ، والرحمة النعمة والرّخاء. قرأ الجمهور ممسكات وكاشفات في الموضعين بالإضافة وقرأهما أبو عمرو بالتنوين. قال مقاتل : لما نزلت هذه الآية سألهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم فسكتوا ، وقال غيره : قالوا لا تدفع شيئا من قدر الله ولكنها تشفع ، فنزل (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) في جميع أموري في جلب النفع ، ودفع الضرّ (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) أي : عليه ، لا على غيره يعتمد المعتمدون ، واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم قراءة أبي عمرو ، لأن كاشفات اسم فاعل في معنى الاستقبال ، وما كان كذلك فتنوينه أجود ، وبها قرأ الحسن ، وعاصم ثم أمره سبحانه أن يهدّدهم ، ويتوعدهم فقال : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي : على حالتكم التي أنتم عليها وتمكنتم منها (إِنِّي عامِلٌ) أي : على حالتي التي أنا عليها ، وتمكنت منها ، وحذف ذلك للعلم به مما قبله (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) أي : يهينه ، ويذله في الدنيا ، فيظهر عند ذلك أنه المبطل ؛ وخصمه المحقّ ، والمراد بهذا العذاب عذاب الدنيا وما حلّ بهم من القتل ، والأسر ، والقهر ، والذلة. ثم ذكر عذاب الآخرة فقال : (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ