لأن من قدر على هذا قدر على ذلك. وقيل هو مثل ضربه الله للقرآن ولصدور من في الأرض. والمعنى : أنزل من السماء قرآنا فسلكه في قلوب المؤمنين ، ثم يخرج به دينا بعضه أفضل من بعض ، فأما المؤمن فيزداد إيمانا ويقينا ، وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع ، وهذا بالتغيير أشبه منه بالتفسير. قرأ الجمهور (ثُمَّ يَجْعَلُهُ) بالرفع عطفا على ما قبله ، وقرأ أبو بشر بالنصب بإضمار أن ، ولا وجه لذلك. ثم لما ذكر سبحانه أن في ذلك لذكرى لأولى الألباب ، ذكر شرح الصدر للإسلام ، لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به فقال : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) أي : وسعه لقبول الحقّ وفتحه للاهتداء إلى سبيل الخير. قال السدّي : وسع صدره للإسلام للفرح به ، والطمأنينة إليه ، والكلام في الهمزة والفاء كما تقدم في (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) ومن : مبتدأ ، وخبرها : محذوف تقديره كمن قسا قلبه وحرج صدره ، ودلّ على هذا الخبر المحذوف قوله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) والمعنى : أفمن وسع الله صدره للإسلام فقبله ، واهتدى بهديه (فَهُوَ) بسبب ذلك الشرح (عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) يفيض عليه كمن قسا قلبه لسوء اختياره ، فصار في ظلمات الضلالة ، وبليات الجهالة. قال قتادة : النور كتاب الله به يؤخذ وإليه ينتهى. قال الزجاج : تقدير الآية : أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) قال الفراء والزجاج : أي عن ذكر الله كما تقول أتخمت عن طعام أكلته ومن طعام أكلته ، والمعنى : أنه غلظ قلبه وجفا عن قبول ذكر الله ، يقال : قسا القلب إذا صلب ، وقلب قاس ؛ أي : صلب لا يرقّ ولا يلين ، وقيل : معنى من ذكر الله من أجل ذكره الذي حقه أن تنشرح له الصدور ، وتطمئن به القلوب. والمعنى : أنه إذا ذكر الله اشمأزوا ، والأول أولى ، ويؤيده قراءة من قرأ عن ذكر الله ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى القاسية قلوبهم ، وهو مبتدأ ، وخبره : (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : ظاهر واضح. ثم ذكر سبحانه بعض أوصاف كتابه العزيز فقال : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) يعني القرآن ، وسماه حديثا لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يحدّث به قومه ويخبرهم بما ينزل عليه منه. وفيه بيان أن أحسن القول المذكور سابقا هو القرآن ، وانتصاب (كِتاباً) على البدل من أحسن الحديث ، ويحتمل أن يكون حالا منه (مُتَشابِهاً) صفة لكتابا ، أي : يشبه بعضه بعضا في الحسن والإحكام وصحة المعاني ، وقوة المباني ، وبلوغه إلى أعلى درجات البلاغة. وقال قتادة : يشبه بعضه بعضا في الآي والحروف ، وقيل : يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه ، و (مَثانِيَ) صفة أخرى لكتابا : أي تثنى فيه القصص وتتكرر فيه الموعظ والأحكام. وقيل : يثنى في التلاوة فلا يملّ سامعه ولا يسأم قارئه. قرأ الجمهور (مَثانِيَ) بفتح الياء ، وقرأ هشام عن ابن عامر وبشر بسكونها تخفيفا واستثقالا لتحريكها ، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو مثاني ، وقال الرازي في تبيين مثاني أن أكثر الأشياء المذكورة في القرآن متكرّرة : زوجين زوجين مثل : الأمر والنهي ، والعامّ والخاصّ ، والمجمل والمفصل ، وأحوال السموات والأرض ، والجنة والنار ، والنور والظلمة ، واللوح والقلم ، والملائكة والشياطين ، والعرش والكرسي ، والوعد والوعيد ، والرجاء والخوف ، والمقصود من ذلك البيان بأن كلّ ما سوى الحقّ زوج ، وأن الفرد الأحد الحقّ هو الله ، ولا يخفى ما في كلامه هذا من التكلف والبعد عن مقصود التنزيل (تَقْشَعِرُّ