سبحانه (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) أي : القرآن ، فإنه قد اشتمل على بيان كلّ شيء ، وما فرّطنا في الكتاب من شيء ، وقد تقدّم بيان مثل هذا في غير موضع (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بتوفيقه للنظر الصحيح ، وإرشاده إلى التأمل الصادق (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إلى طريق مستوي لا عوج فيه ، فيتوصل بذلك إلى الخير التام وهو نعيم الجنة.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) قال : هو مثل ضربه الله لرجل عطش ، فاشتدّ عطشه ، فرأى سرابا فحسبه ماء ، فطلبه فظن أنه قدر عليه حتى أتى ، فلما أتاه لم يجده شيئا ، وقبض عند ذلك ، يقول : الكافر كذلك السراب إذا أتاه الموت لم يجد عمله يغني عنه شيئا ، ولا ينفعه إلا كما نفع السراب العطشان (يَغْشاهُ مَوْجٌ) يعني بذلك : الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر. وأخرج ابن جرير عنه بقيعة : بأرض مستوية. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق السدّي عن أبيه عن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم «إنّ الكفّار يبعثون يوم القيامة وردا عطاشا ، فيقولون : أين الماء؟ فيتمثّل لهم السّراب ، فيحسبونه ماء ، فينطلقون إليه فيجدون الله عنده فيوفّيهم حسابه ، والله سريع الحساب» وفي إسناده السدّي عن أبيه ، وفيه مقال معروف. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة في قوله : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) قال : الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) قال : بسط أجنحتهن. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) يقول : ضوء برقه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال : كل شيء يمشي على أربع إلا الإنسان. وأقول : هذه الطيور على اختلاف أنواعها تمشي على رجلين ، وهكذا غيرها ، كالنعامة فإنها تمشي على رجلين ، وليست من الطير ، فهذه الكلية المروية عنه رضي الله عنه لا تصحّ.
(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ