وقال امرؤ القيس :
يضيء سناه أو مصابيح راهب |
|
أهان السّليط في الذّبال المفتّل |
فالسنا بالقصر : ضوء البرق ، وبالمدّ : الرفعة ، كذا قال المبرّد وغيره. وقرأ طلحة بن مصرف ويحيى ابن وثاب (سَنا بَرْقِهِ) بالمدّ على المبالغة في شدّة الضوء والصفاء ، فأطلق عليه اسم الرفعة والشرف. وقرأ طلحة ويحيى أيضا بضم الباء من برقه وفتح الراء. قال أحمد بن يحيى ثعلب : وهي على هذه القراءة جمع برق. وقال النحاس : البرقة المقدار من البرق والبرقة الواحدة. وقرأ الجحدري وابن القعقاع «يذهب» بضم الياء وكسر الهاء من الإذهاب. وقرأ الباقون (سَنا) بالقصر ، و (بَرْقِهِ) بفتح الباء ، وسكون الراء ، و (يَذْهَبُ) بفتح الياء والهاء من الذهاب ، وخطأ قراءة الجحدري وابن القعقاع الأخفش وأبو حاتم. ومعنى ذهاب البرق بالأبصار : خطفه إياها من شدة الإضاءة وزيادة البريق ، والباء في الأبصار على قراءة الجمهور : للإلصاق ، وعلى قراءة غيرهم : زائدة (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي : يعاقب بينهما ، وقيل : يزيد في أحدهما وينقص الآخر ، وقيل : يقلبهما باختلاف ما يقدره فيهما من خير وشرّ ونفع وضرّ ، وقيل : بالحرّ والبرد ، وقيل : المراد بذلك تغيير النهار بظلمة السحاب مرّة وبضوء الشمس أخرى ، وتغيير الليل بظلمة السحاب تارة ، وبضوء القمر أخرى ، والإشارة بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) إلى ما تقدّم ، ومعنى العبرة : الدلالة الواضحة التي يكون بها الاعتبار ، والمراد بأولي الأبصار : كل من له بصر ويبصر به. ثم ذكر سبحانه دليلا ثالثا من عجائب خلق الحيوان ، وبديع صنعته فقال : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي «والله خالق كلّ دابّة» وقرأ الباقون (خَلَقَ) والمعنيان صحيحان ، والدابة : كل ما دبّ على الأرض من الحيوان ، يقال : دبّ يدبّ فهو دابّ ، والهاء : للمبالغة ، ومعنى (مِنْ ماءٍ) من نطفة ، وهي : المنيّ ، كذا قال الجمهور. وقال جماعة : إن المراد الماء المعروف ، لأن آدم خلق من الماء والطين. وقيل : في الآية تنزيل الغالب منزلة الكل على القول الأوّل ، لأن في الحيوانات من لا يتولد عن نطفة ، ويخرج من هذا العموم الملائكة فإنهم خلقوا من نور ، والجانّ فإنهم خلقوا من نار. ثم فصل سبحانه أحوال كلّ دابة فقال : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) وهي : الحيات ، والحوت ، والدود ، ونحو ذلك (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) الإنسان والطير (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) سائر الحيوانات ، ولم يتعرّض لما يمشي على أكثر من أربع لقلته ، وقيل : لأن المشي على أربع فقط وإن كانت القوائم كثيرة ، وقيل : لعدم الاعتداد بما يمشي على أكثر من أربع ، ولا وجه لهذا فإن المراد التنبيه على بديع الصنع وكمال القدرة ، فكيف يقال بعدم الاعتداد بما يمشي على أكثر من أربع؟ وقيل : ليس في القرآن ما يدلّ على عدم المشي على أكثر من أربع ، لأنه لم ينف ذلك ولا جاء بما يقتضي الحصر ، وفي مصحف أبيّ «ومنهم من يمشي على أكثر» فعمّ بهذه الزيادة جميع ما يمشي على أكثر من أربع : كالسرطان والعناكب وكثير من خشاش الأرض (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) مما ذكره هاهنا ، ومما لم يذكره ، كالجمادات مركبها وبسيطها ، ناميها وغير ناميها (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء ، بل الكلّ من مخلوقاته داخل تحت قدرته