الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨))
لما فرغ سبحانه من ذكر إنجاء الذبيح من الذبح ، وما منّ عليه بعد ذلك من النبوّة ذكر ما منّ به على موسى وهارون ، فقال : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) يعني بالنبوّة وغيرها من النعم العظيمة التي أنعم الله بها عليهما (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) المراد بقومهما : هم المؤمنون من بني إسرائيل ، والمراد بالكرب العظيم : هو ما كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم ، وما كان نصيبهم من جهته من البلاء ، وقيل : هو الغرق الذي أهلك فرعون وقومه ، والأوّل أولى (وَنَصَرْناهُمْ) جاء بضمير الجماعة. قال الفراء : الضمير لموسى وهارون وقومهما ، لأن قبله ونجيناهما وقومهما ، والمراد بالنصر التأييد لهم على عدوّهم (فَكانُوا) بسبب ذلك (هُمُ الْغالِبِينَ) على عدوّهم بعد أن كانوا تحت أسرهم وقهرهم ، وقيل : الضمير في نصرناهم عائد على الاثنين موسى وهارون تعظيما لهما ، والأوّل أولى (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) المراد بالكتاب التوراة : والمستبين : البين الظاهر ، يقال : استبان كذا. أي : صار بينا (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي : القيم لا اعوجاج فيه ، وهو دين الإسلام فإنه الطريق الموصلة إلى المطلوب (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) أي : أبقينا عليهما في الأمم المتأخرة الثناء الجميل ، وقد قدّمنا الكلام في السلام وفي وجه إعرابه بالرفع ، وكذلك تقدّم تفسير (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) في هذه السورة (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال المفسرون : هو نبيّ من أنبياء بني إسرائيل ، وقصته مشهورة مع قومه ، قيل : وهو إلياس بن يس من سبط هارون أخي موسى. قال ابن إسحاق وغيره : ان إلياس هو القيم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع ، وقيل : هو إدريس ، والأوّل أولى. قرأ الجمهور (إِلْياسَ) بهمزة مكسورة مقطوعة ، وقرأ ابن ذكوان بوصلها ، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر ، وقرأ ابن مسعود ، والأعمش ، ويحيى بن وثاب «وإنّ إدريس لمن المرسلين» وقرأ أبيّ «وإنّ إبليس» بهمزة مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم لام مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم سين مهملة مفتوحة (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) هو ظرف لقوله من المرسلين ، أو متعلق بمحذوف ، أي : اذكر يا محمّد إذ قال ، والمعنى : ألا تتقون عذاب الله ، ثم أنكر عليهم بقوله : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) هو اسم لصنم كانوا يعبدونه ، أي : أتعبدون صنما وتطلبون الخير منه.
قال ثعلب : اختلف الناس في قوله سبحانه : (بَعْلاً) فقالت طائفة : البعل هنا الصنم ، وقالت طائفة : البعل هنا ملك ، وقال ابن إسحاق : امرأة كانوا يعبدونها. قال الواحدي : والمفسرون يقولون ربا ، وهو بلغة اليمن ، يقولون للسيد والربّ البعل. قال النحاس : القولان صحيحان ، أي : أتدعون صنما عملتموه ربا (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) أي : وتتركون عبادة أحسن من يقال له خالق ، وانتصاب الاسم الشريف في قوله : (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) على أنه بدل من أحسن ، هذا على قراءة حمزة والكسائي والربيع