في الأصل هي المرأة التي لا زوج لها ، بكرا كانت أو ثيبا. قال أبو عبيد : يقال رجل أيم وامرأة أيم ، وأكثر ما يكون في النساء ، وهو كالمستعار في الرجال ، ومه قول أميّة بن أبي الصّلت :
لله درّ بني علي |
|
أيّم منهم وناكح |
ومنه أيضا قول الآخر :
لقد إمت حتى لامني كلّ صاحب |
|
رجاء بسلمى أن تئيم كما إمت |
والخطاب في الآية : للأولياء ، وقيل : للأزواج ، والأوّل أرجح ، وفيه دليل على أن المرأة لا تنكح نفسها ، وقد خالف في ذلك أبو حنيفة.
واختلف أهل العلم في النكاح هل هو مباح ، أو مستحب ، أو واجب؟ فذهب إلى الأوّل : الشافعي وغيره ، وإلى الثاني : مالك وأبو حنيفة ، وإلى الثالث : بعض أهل العلم على تفصيل لهم في ذلك ، فقالوا : إن خشي على نفسه الوقوع في المعصية وجب عليه ، وإلا فلا. والظاهر أن القائلين بالإباحة والاستحباب لا يخالفون في الوجوب مع تلك الخشية ، وبالجملة فهو مع عدمها سنة من السنن المؤكدة لقوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح بعد ترغيبه في النكاح : «ومن رغب عن سنتي فليس مني» ولكن مع القدرة عليه ، وعلى مؤنه كما سيأتي قريبا ، والمراد بالأيامى هنا : الأحرار والحرائر ، وأما المماليك فقد بين ذلك بقوله : (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) قرأ الجمهور «عبادكم» وقرأ الحسن «عبيدكم» قال الفراء : ويجوز وإماءكم بالنصب بردّه على الصالحين ، والصلاح : هو الإيمان. وذكر سبحانه الصلاح في المماليك دون الأحرار لأن الغالب في الأحرار الصلاح بخلاف المماليك ، وفيه دليل على أن المملوك لا يزوّج نفسه ، وإنما يزوّجه مالكه. وقد ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للسيد أن يكره عبده وأمته على النكاح. وقال مالك : لا يجوز. ثم رجع سبحانه إلى الكلام في الأحرار فقال : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي لا تمتنعوا من تزويج الأحرار بسبب فقر الرجل والمرأة أو أحدهما ، فإنهم إن يكونوا فقراء يغنهم الله سبحانه ، ويتفضل عليهم بذلك. قال الزجاج : حثّ الله على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر ، ولا يلزم أن يكون هذا حاصلا لكل فقير إذا تزوّج ، فإن ذلك مقيد بالمشيئة. وقد يوجد في الخارج كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوّجوا. وقيل المعنى : إنه يغنيه بغنى النفس ، وقيل المعنى : إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله من فضله بالحلال ليتعففوا عن الزنا. والوجه الأوّل أولى ، ويدلّ عليه قوله سبحانه : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) (١) فيحمل المطلق هنا على المقيد هناك ، وجملة (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) مؤكدة لما قبلها ومقرّرة لها ، والمراد أن سبحانه ذو سعة لا ينقص من سعة ملكه غنى من يغنيه من عباده عليم بمصالح خلقه ، يغني من يشاء ويفقر من يشاء. ثم ذكر سبحانه حال العاجزين عن النكاح ، بعد بيان جواز مناكحتهم ، إرشادا لهم إلى ما هو الأولى فقال : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) استعفّ طلب أن يكون عفيفا ، أي : ليطلب العفة عن الزنا
__________________
(١). التوبة : ٢٨.