أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) فيه الأمر بالتوبة ، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها وأنها فرض من فرائض الدين. وقد تقدّم الكلام على التوبة في سورة النساء. ثم ذكر ما يرغبهم في التوبة ، فقال : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : تفوزون بسعادة الدنيا والآخرة ، وقيل : إن المراد بالتوبة هنا هي عما كانوا يعملونه في الجاهلية ، والأوّل أولى لما تقرر في السنة أن الإسلام يجبّ ما قبله.
وقد أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال : مرّ رجل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في طريق من طرقات المدينة ، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه ، فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجابا به ، فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها ، إذ استقبله الحائط فشقّ أنفه ، فقال : والله لا أغسل الدّم حتى آتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعلمه أمري ، فأتاه فقصّ عليه قصّته ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : هذا عقوبة ذنبك ، وأنزل الله (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) قال : يعني من شهواتهم مما يكره الله. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والبيهقي في سننه عن بريدة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تتبع النّظرة النّظرة ؛ فإنّ الأولى لك وليست لك الأخرى» وفي مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي عن جرير البجلي قال : «سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن نظرة الفجأة ، فأمرني أن أصرف بصري» وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إيّاكم والجلوس على الطرقات ، قالوا : يا رسول الله ما لنا بدّ من مجالسنا نتحدّث فيها ، فقال : إن أبيتم فأعطوا الطريق حقّه ، قالوا : وما حقّه يا رسول الله؟ قال : غضّ البصر ، وكفّ الأذى ، وردّ السّلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر». وأخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال : «قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك ، أو ما ملكت يمينك ، قلت : يا نبيّ الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ، قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينّها ، قلت : إذا كان أحدنا خاليا ، قال : فالله أحقّ أن يستحيى منه من الناس» وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كتب الله على ابن آدم حظّه من الزّنا أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان النّطق ، وزنا الأذنين السّماع ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين الخطو ، والنّفس تتمنى ، والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه». وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه» والأحاديث في هذا الباب كثيرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال : بلغنا والله أعلم أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث أن أسماء بنت يزيد كانت في نخل لها لبني حارثة ، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن ، يعني الخلاخل ، وتبدو صدورهنّ وذوائبهنّ ، فقالت أسماء : ما أقبح هذا ، فأنزل الله ذلك (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) الآية ؛ وفيه مع كونه مرسلا مقاتل. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن