الدين ، واتبع فطرة الله. وقال ابن جرير : هي مصدر من معنى «فأقم وجهك» لأن معنى ذلك : فطرة الله الناس على الدين ، وقيل : هي منصوبة على الإغراء ، أي : الزموا فطرة الله ، أو عليكم فطرة الله ، وردّ هذا الوجه أبو حيان وقال : إن كلمة الإغراء لا تضمر ؛ إذ هي عوض عن الفعل ، فلو حذفها لزم حذف العوض ، والمعوّض عنه ، وهو إجحاف. وأجيب بأن هذا رأي البصريين ، وأما الكسائي وأتباعه ، فيجيزون ذلك. وجملة (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) تعليل لما قبلها من الأمر بلزوم الفطرة ، أي : هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لها من جهة الخالق سبحانه. وقيل : هو نفي معناه النهي ، أي : لا تبدّلوا خلق الله. قال مجاهد وإبراهيم النخعي : معناه لا تبديل لدين الله. قال قتادة ، وابن جبير ، والضحاك ، وابن زيد : هذا في المعتقدات. وقال عكرمة : إن المعنى لا تغيير لخلق الله في البهائم ؛ بأن تخصى فحولها (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي : ذلك الدين المأمور بإقامة الوجه له هو الدين القيم ، أو لزوم الفطرة : هو الدين القيم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك حتى يفعلوه ويعملوا به (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أي : راجعين إليه بالتوبة ، والإخلاص ، ومطيعين له في أوامره ، ونواهيه. ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :
فإن تابوا فإنّ بني سليم |
|
وقومهم هوازن قد أنابوا |
قال الجوهري : أناب إلى الله : أقبل وتاب ، وانتصابه على الحال من فاعل أقم. قال المبرد : لأن معنى أقم وجهك : أقيموا وجوهكم. قال الفراء : المعنى فأقم وجهك ، ومن معك منيبين ، وكذا قال الزجاج وقال تقديره : فأقم وجهك ، وأمتك ، فالحال من الجميع. وجاز حذف المعطوف لدلالة منيبين عليه. وقيل : هو منصوب على القطع ، وقيل : على أنه خبر لكان محذوفة ، أي : وكونوا منيبين إليه لدلالة (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) على ذلك. ثم أمرهم سبحانه بالتقوى بعد أمرهم بالإنابة ، فقال : (وَاتَّقُوهُ) أي : باجتناب معاصيه ، وهو معطوف على الفعل المقدر ناصبا لمنيبين (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) التي أمرتم بها (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بالله. وقوله : (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) هو بدل مما قبله بإعادة الجار ، والشيع : الفرق ، أي : لا تكونوا من الذين تفرقوا فرقا في الدين ، يشايع بعضهم بعضا من أهل البدع والأهواء : وقيل المراد بالذين فرقوا دينهم شيعا : اليهود والنصارى. وقرأ حمزة والكسائي «فارقوا دينهم» ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب ، أي : فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه ، وهو التوحيد. وقد تقدّم تفسير هذه الآية في آخر سورة الأنعام (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي : كل فريق بما لديهم من الدين المبني على غير الصواب ، مسرورون مبتهجون ، يظنون أنهم على الحق ، وليس بأيديهم منه شيء. وقال الفراء : يجوز أن يكون قوله : «من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا» مستأنفا ، كما يجوز أن يكون متصلا بما قبله (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) أي : قحط وشدّة (دَعَوْا رَبَّهُمْ) أن يرفع ذلك عنهم واستغاثوا به (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أي : راجعين إليه ملتجئين به لا يعولون على غيره ، وقيل : مقبلين عليه بكل قلوبهم (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) بإجابة دعائهم ، ورفع تلك الشدائد عنهم (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) إذا : هي الفجائية ، وقعت جواب الشرط لأنها كالفاء في إفادة التعقيب ، أي : فاجأ فريق منهم الإشراك ، وهم الذين