السلام عليكم ، أأدخل؟ مرّة أو ثلاثا كما سيأتي.
واختلفوا هل يقدّم الاستئذان على السلام أو العكس ، فقيل : يقدم الاستئذان ، فيقول : أأدخل سلام عليكم ، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام. وقال الأكثرون : إنه يقدّم السلام على الاستئذان فيقول : السلام عليكم أأدخل ، وهو الحقّ ، لأن البيان منه صلىاللهعليهوسلم للآية كان هكذا. وقيل : إن وقع بصره على إنسان قدّم السلام ، وإلا قدّم الاستئذان (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) الإشارة إلى الاستئناس والتسليم ، أي : دخولكم مع الاستئذان والسلام خير لكم من الدخول بغتة (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أن الاستئذان خير لكم ، وهذه الجملة متعلقة بمقدّر ، أي : أمرتم بالاستئذان ، والمراد بالتذكر : الاتعاظ ، والعمل بما أمروا به (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) أي : فإن لم تجدوا في البيوت التي لغيركم أحدا ممن يستأذن عليه فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم بدخولها من جهة من يملك الإذن. وحكى ابن جرير عن مجاهد أنه قال : معنى الآية فإن لم تجدوا فيها أحدا ، أي : لم يكن لكم فيها متاع ، وضعفه وهو حقيق بالضعف ، فإن المراد بالأحد المذكور أهل البيوت الذين يأذنون للغير بدخولها ، لا متاع الداخلين إليها (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) أي : قال لكم أهل البيت ارجعوا فارجعوا ، ولا تعاودوهم بالاستئذان مرّة أخرى ، ولا تنتظروا بعد ذلك أن يأذنوا لكم بعد أمرهم لكم بالرجوع. ثم بين سبحانه أن الرجوع أفضل من الإلحاح ، وتكرار الاستئذان ، والقعود على الباب فقال : (هُوَ أَزْكى لَكُمْ) أي : أفضل «وأطهر» من التدنس بالمشاحة على الدخول لما في ذلك من سلامة الصدر ، والبعد من الريبة ، والفرار من الدناءة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) لا تخفى عليه من أعمالكم خافية (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) أي لا جناح عليكم في الدخول بغير استئذان إلى البيوت التي ليست بمسكونة.
وقد اختلف الناس في المراد بهذه البيوت ، فقال محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد : هي الفنادق التي في الطرق السابلة الموضوعة لابن السبيل يأوي إليها. وقال ابن زيد والشعبي : هي حوانيت القيساريات ، قال الشعبي : لأنهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها ، وقالوا للناس : هلمّ. وقال عطاء : المراد بها الخرب التي يدخلها الناس للبول والغائط ، ففي هذا أيضا متاع. وقيل : هي بيوت مكة. روي ذلك عن محمد بن الحنفية أيضا ، وهو موافق لقول من قال : إن الناس شركاء فيها ، ولكن قد قيد سبحانه هذه البيوت المذكورة هنا بأنها غير مسكونة. والمتاع : المنفعة عند أهل اللغة ، فيكون معنى الآية : فيها منفعة لكم ، ومنه قوله : «ومتّعوهنّ» وقولهم : أمتع الله بك ، وقد فسر الشعبي المتاع في كلامه المتقدّم بالأعيان التي تباع. قال جابر بن زيد : وليس المراد بالمتاع الجهاز ، ولكن ما سواه من الحاجة. قال النحاس : وهو حسن موافق للّغة (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) أي : ما تظهرون وما تخفون ، وفيه وعيد لمن يتأدّب بآداب الله في دخول بيوت الغير.
وقد أخرج الفريابي وابن جرير من طريق عدّي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال : قالت امرأة : يا رسول الله إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحبّ أن يراني عليها أحد ولد ولا والد ، فيأتيني الأب فيدخل عليّ فكيف أصنع؟ ولفظ ابن جرير : وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحالة ، فنزلت :