من الرجال والخبيثون من الرجال (لِلْخَبِيثاتِ) من الكلام (وَالطَّيِّباتُ) من الكلام (لِلطَّيِّبِينَ) من الناس (وَالطَّيِّبُونَ) من الناس (لِلطَّيِّباتِ) من الكلام ، نزلت في الذين قالوا في زوجة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ما قالوا من البهتان. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير والطبراني عن قتادة نحوه أيضا ، وكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن زيد في الآية قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان والفرية فبرّأها الله من ذلك ، وكان عبد الله بن أبيّ هو الخبيث ، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم طيبا ، فكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة ، وكانت أولى بأن يكون لها الطيب ، وفي قوله : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) قال : هاهنا برئت عائشة. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : لقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة وعند طيب ، ولقد وعدت مغفرة وأجرا عظيما.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩))
لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف ، شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء ، فربما يؤدّي إلى أحد الأمرين المذكورين ، وأيضا إن الإنسان يكون في بيته ومكان خلوته على حالة لا يحبّ أن يراه عليها غيره ، فنهى الله سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية ، هي قوله : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) والاستئناس : الاستعلام والاستخبار ، أي : حتى تستعلموا ما في البيت ، والمعنى : حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم ، فإذا علمتم ذلك دخلتم ، ومنه قوله : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) أي : علمتم. قال الخليل : الاستئناس : الاستكشاف ، من أنس الشيء : إذا أبصره ، كقوله : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي : أبصرت. وقال ابن جرير : إنه بمعنى وتؤنسوا أنفسكم. قال ابن عطية : وتصريف الفعل يأبى أن يكون من أنس. ومعنى كلام ابن جرير هذا أنه من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش ، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش حتى يؤذن له ، فإذا أذن له استأنس ، فنهى سبحانه عن دخول تلك البيوت حتى يؤذن للداخل. وقيل : هو من الإنس ، وهو أن يتعرّف هل ثم إنسان أم لا؟ وقيل : معنى الاستئناس : الاستئذان ، أي : لا تدخلوها حتى تستأذنوا. قال الواحدي : قال جماعة المفسرين : حتى تستأذنوا ، ويؤيده ما حكاه القرطبي عن ابن عباس وأبيّ وسعيد بن جبير أنهم قرءوا «تستأذنوا» قال مالك فيما حكاه عنه ابن وهب : الاستئناس فيما يرى والله أعلم : الاستئذان ، وقوله : (وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) قد بينه النبي صلىاللهعليهوسلم كما سيأتي بأن يقول :