وصدّق بما جاء به الرسل وأدّى الفرائض واجتنب المعاصي فعسى أن يكون من المفلحين ، أي : الفائزين بمطالبهم من سعادة الدارين ، وعسى وإن كانت في الأصل للرجاء فهو من الله واجب على ما هو عادة الكرام. وقيل : إن الترجي هو من التائب المذكور ، لا من جهة الله سبحانه (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي : يخلقه. (وَيَخْتارُ) ما يشاء أن يختاره (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١) وهذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم ، واختاروهم ، أي : الاختيار إلى الله (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي : التخير ، وقيل : المراد من الآية أنه ليس لأحد من خلق الله أن يختار ، بل الاختيار هو إلى الله عزوجل. وقيل : إن هذه الآية جواب عن قولهم (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٢) وقيل : هذه الآية جواب عن اليهود حيث قالوا لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به.
قال الزجاج : الوقف على «ويختار» تام على أن ما نافية. قال : ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب بيختار ، والمعنى : ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة. والصحيح الأوّل لإجماعهم على الوقف. وقال ابن جرير : إن تقدير الآية : ويختار لولايته الخيرة من خلقه ، وهذا في غاية من الضعف. وجوّز ابن عطية أن تكون كان تامة ، ويكون لهم الخيرة جملة مستأنفة. وهذا أيضا بعيد جدا. وقيل إن «ما» مصدرية ، أي : يختار اختيارهم ، والمصدر واقع موقع المفعول به ، أي : ويختار مختارهم ، وهذا كالتفسير لكلام ابن جرير. والراجح أوّل هذه التفاسير ، ومثله قوله سبحانه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٣) والخيرة : التخير ، كالطيرة فإنها التطير ، اسمان يستعملان استعمال المصدر ، ثم نزّه سبحانه نفسه فقال : (سُبْحانَ اللهِ) أي : تنزّه تنزّها خاصا به من غير أن ينازعه منازع ، ويشاركه مشارك (وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : عن الذين يجعلونهم شركاء له ، أو عن إشراكهم (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) أي : تخفيه من الشرك ، أو من عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو من جميع ما يخفونه مما يخالف الحق (وَما يُعْلِنُونَ) أي : يظهرونه من ذلك. قرأ الجمهور «تكن» بضم التاء الفوقية وكسر الكاف. وقرأ ابن محيصن وحميد بفتح الفوقية ، وضم الكاف. ثم تمدح سبحانه وتعالى بالوحدانية ، والتفرّد باستحقاق الحمد فقال : (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى) أي : الدنيا (وَالْآخِرَةِ) أي : الدار الآخرة (وَلَهُ الْحُكْمُ) يقضي بين عباده بما شاء من غير مشارك (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالبعث فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، لا ترجعون إلى غيره.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) قال : قال الله لم نهلك قرية بإيمان ، ولكنه أهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها ، ولو كانت مكة آمنت لم يهلكوا مع من هلك ، ولكنهم كذبوا وظلموا فبذلك هلكوا. وأخرج مسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يقول الله عزوجل : يا بن آدم مرضت فلم تعدني» الحديث بطوله. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبد بن عبيد بن عمير قال : «يحشر النّاس
__________________
(١). الأنبياء : ٢٣.
(٢). الزخرف : ٣١.
(٣). الأحزاب : ٣٦.