المؤمن. وأما حال الكافر ، فإنه لم يكن معه إلا مجرّد التمتيع بشيء من الدنيا يستوي فيه هو والمؤمن ، وينال كل واحد منهما حظه منه ، وهو صائر إلى النار ، فهل يستويان؟ قرأ الجمهور «ثم هو» بضم الهاء. وقرأ الكسائي وقالوا بسكون الهاء إجراء لثمّ مجرى الواو والفاء ، وانتصاب يوم في قوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) بالعطف على يوم القيامة أو بإضمار اذكر ، أي : يوم ينادي الله سبحانه هؤلاء المشركين (فَيَقُولُ) لهم (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أنهم ينصرونكم ويشفعون لكم ، ومفعولا يزعمون محذوفان ، أي : تزعمونهم شركائي لدلالة الكلام عليهما (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : حقت عليهم كلمة العذاب ، وهم رؤساء الضلال الذين اتخذوهم أربابا من دون الله ، كذا قال الكلبي. وقال قتادة : هم الشيطان (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا) أي : دعوناهم إلى الغواية يعنون الأتباع (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) أي : أضللناهم كما ضللنا (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم ، والمعنى : أن رؤساء الضلال أو الشياطين تبرّؤوا ممن أطاعهم. قال الزجاج : برىء بعضهم من بعض ، وصاروا أعداء. كما قال الله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (١) وهؤلاء مبتدأ ، والذين أغوينا صفته ، والعائد محذوف ، أي : أغويناهم ، والخبر : أغويناهم ، وكما أغوينا : نعت مصدر محذوف. وقيل : إن خبر هؤلاء هو الذين أغوينا ، وأما أغويناهم كما غوينا ؛ فكلام مستأنف لتقرير ما قبله ، ورجح هذا أبو عليّ الفارسي ، واعترض الوجه الأوّل ، وردّ اعتراضه أبو البقاء (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) وإنما كانوا يعبدون أهواءهم ، وقيل إن «ما» في ما كانوا : مصدرية ، أي : تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا ، والأوّل أولى (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي : قيل للكفار من بني آدم هذا القول ، والمعنى : استغيثوا بآلهتكم التي كنتم تعبدونهم من دون الله في الدنيا لينصروكم ويدفعوا عنكم (فَدَعَوْهُمْ) عند ذلك (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) ولا نفعوهم بوجه من وجوه النفع (وَرَأَوُا الْعَذابَ) أي : التابع والمتبوع قد غشيهم ، (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) قال الزجاج : جواب لو محذوف ، والمعنى : لو أنهم كانوا يهتدون لأنجاهم ذلك ولم يروا العذاب. وقيل المعنى : لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم ، وقيل المعنى : لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا لعلموا أن العذاب حق. وقيل المعنى : لو كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل لدفعوا به العذاب. وقيل : قد آن لهم أن يهتدوا لو كانوا يهتدون ، وقيل : غير ذلك. والأوّل أولى ، ويوم في قوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) معطوف على ما قبله ، أي : ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ) أي : خفيت عليهم الحجج حتى صاروا كالعمي الذين لا يهتدون ، والأصل فعموا عن الأنباء ، ولكنه عكس الكلام للمبالغة ، والأنباء : الأخبار ، وإنما سمى حججهم أخبارا ، لم تكن من الحجة في شيء ، وإنما هي : أقاصيص ، وحكايات (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) لا يسأل بعضهم بعضا ، ولا ينطقون بحجة ولا يدرون بما يجيبون ، لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا ، فلا يكون لهم عذر ، ولا حجة يوم القيامة. قرأ الجمهور «عميت» بفتح العين وتخفيف الميم. وقرأ الأعمش وجناح بن حبيش بضم العين وتشديد الميم (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) إن تاب من الشرك
__________________
(١). الزخرف : ٦٧.