من أجله ، أي : فعلنا ذلك بك لأجل الرحمة. قال النحاس : أي لم تشهد قصص الأنبياء ، ولا تليت عليك ، ولكن بعثناك ، وأوحيناها إليك للرحمة. وقال الكسائي : هو خبر لكان مقدّرة ، أي : ولكن كان ذلك رحمة. وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة رحمة بالرفع على تقدير : ولكن أنت رحمة. وقال الكسائي : الرفع على أنها اسم كان المقدّرة ، وهو بعيد إلا على تقدير أنها تامة ، واللام في (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) متعلق بالفعل المقدر على الاختلاف في تقديره ، والقوم : هم أهل مكة ، فإنه لم يأتهم نذير ينذرهم قبله صلىاللهعليهوسلم ، وجملة «ما أتاهم» إلخ صفة لقوما (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي : يتعظون بإنذارك (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) لو لا هذه : هي الامتناعية ، وأن وما في حيزها في موضع رفع بالابتداء ، وجوابها محذوف. قال الزجاج : وتقديره ما أرسلنا إليهم رسلا ، يعني : أن الحامل على إرسال الرسل هو إزاحة عللهم ، فهو كقوله سبحانه : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (١) وقد رواه ابن عطية لعاجلناهم بالعقوبة ، ووافقه على هذا التقدير الواحدي فقال : والمعنى لو لا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم ، وقوله : (فَيَقُولُوا) عطف على تصيبهم ومن جملة ما هو في حيز لولا ، أي : فيقولوا : (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) ولو لا هذه الثانية : هي التحضيضية ، أي : هلا أرسلت إلينا رسولا من عندك ، وجوابها هو (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) وهو منصوب بإضمار أن لكونه جوابا للتحضيض ، والمراد بالآيات : الآيات التنزيلية الظاهرة الواضحة ، وإنما عطف القول على تصيبهم لكونه هو السبب للإرسال ، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول ، وكان وجوده بوجودهما جعلت العقوبة كأنها هي السبب لإرسال الرسل بواسطة القول (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بهذه الآيات ، ومعنى الآيات أنا لو عذبناهم لقالوا : طال العهد بالرسل ولم يرسل الله إلينا رسولا ، ويظنون أن ذلك عذر لهم ، ولا عذر لهم بعد أن بلغتهم أخبار الرسل ، ولكنا أكملنا الحجة ، وأزحنا العلة ، وأتممنا البيان بإرسالك يا محمد إليهم (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) أي : فلما جاء أهل مكة الحقّ من عند الله وهو محمد وما أنزل عليه من القرآن تعنتا منهم وجدالا بالباطل قالوا : هلا أوتي هذا الرسول مثل ما أوتي موسى من الآيات التي من جملتها ، التوراة المنزلة عليه جملة واحدة ، فأجاب الله عليهم بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل هذا القول ، أو من قبل ظهور محمد ؛ والمعنى : أنهم قد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد ، وجملة (قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا) مستأنفة مسوقة لتقرير كفرهم وعنادهم ، والمراد بقولهم : (سِحْرانِ) موسى ومحمد ، والتظاهر : التعاون ، أي : تعاونا على السحر ، والضمير في قوله : «أو لم يكفروا» لكفار قريش ، وقيل : هو لليهود. والأوّل أولى ؛ فإن اليهود لا يصفون موسى بالسحر ، إنما يصفه بذلك كفار قريش ، وأمثالهم إلا أن يراد من أنكر نبوّة موسى كفرعون وقومه ، فإنهم وصفوا موسى وهارون بالسحر ، ولكنهم ليسوا من اليهود ، ويمكن أن يكون الضمير لمن كفر بموسى ، ومن كفر بمحمد ، فإن الذين كفروا وصفوه بالسحر ، والذين كفروا بمحمد وصفوه أيضا بالسحر. وقيل : المعنى : أو لم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبله بالبشارة
__________________
(١). النساء : ١٦٥.