الْأَمْرَ) إذ كلفناه وألزمناه ، وقيل : أخبرناه أن أمة محمد خير الأمم ، ولا يستلزم نفي كونه بجانب الغربي ؛ نفي كونه من الشاهدين ، لأنه يجوز أن يحضر ولا يشهد. قيل : المراد بالشاهدين : السبعون الذين اختارهم موسى للميقات (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) أي : خلقنا أمما بين زمانك يا محمد ، وزمان موسى (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) طالت عليهم المهلة وتمادى عليهم الأمد ، فتغيرت الشرائع ، والأحكام وتنوسيت الأديان ، فتركوا أمر الله ونسوا عهده ، ومثله قوله سبحانه : (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (١) ، وقد استدلّ بهذا الكلام على أن الله سبحانه قد عهد إلى موسى عهودا في محمد صلىاللهعليهوسلم وفي الإيمان به فلما طال عليهم العمر ومضت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود ، وتركوا الوفاء بها (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) أي : مقيما بينهم كما أقام موسى حتى تقرأ على أهل مكة خبرهم وتقصّ عليهم من جهة نفسك يقال : ثوى يثوي ثواء وثويا فهو ثاو. قال ذو الرمة :
لقد كان في حول ثواء ثويته |
|
تقضى لبانات ويسأم سائم |
وقال العجاج :
فبات حيث يدخل الثّويّ
يعني الضيف المقيم.
وقال آخر :
طال الثّواء على رسول المنزل
(تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي : تقرأ على أهل مدين آياتنا ، وتتعلم منهم ، وقيل : تذكرهم بالوعد والوعيد ، والجملة : في محل نصب على الحال ، أو خبر ثان ، ويجوز أن تكون هذه الجملة هي الخبر ، وثاويا حال. وجعلها الفراء مستأنفة كأنه قيل : وها أنت تتلو على أمتك (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أي : أرسلناك إلى أهل مكة ، وأنزلنا عليك هذه الأخبار ، ولو لا ذلك لما علمتها. قال الزجاج : المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء ، ولا تليت عليك ، ولكن أوحيناها إليك ، وقصصناها عليك (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أي : وما كنت يا محمد بجانب الجبل ، المسمى بالطور إذ نادينا موسى لما أتى إلى الميقات مع السبعين. وقيل : المنادي هو أمة محمد صلىاللهعليهوسلم. قال وهب : وذلك أن موسى لما ذكر الله له فضل محمد وأمته قال : يا رب أرنيهم ، فقال الله : إنك لن تدركهم وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم ، قال : بلى يا ربّ ، فقال الله : يا أمة محمد! فأجابوا من أصلاب آبائهم. فيكون معنى الآية على هذا : ما كنت يا محمد بجانب الطور إذ كلمنا موسى فنادينا أمتك ، وسيأتي ما يدلّ على هذا ويقوّيه ويرجحه في آخر البحث إن شاء الله (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي : ولكن فعلنا ذلك رحمة منا بكم ، وقيل : ولكن أرسلنا بالقرآن رحمة لكم ، وقيل : علمناك ، وقيل : عرفناك. قال الأخفش : هو منصوب : يعني : رحمة على المصدر ، أي : ولكن رحمناك رحمة. وقال الزجاج : هو مفعول
__________________
(١). الحديد : ١٦.