الجوهري : اللكز الضرب على الصدر. وقال أبو زيد : في جميع الجسد : يعني أنه يقال له لكز. واللهز : الضرب بجميع اليدين في الصدر ، ومثله عن أبي عبيدة. (فَقَضى عَلَيْهِ) أي : قتله ، وكل شيء أتيت عليه وفرغت منه : فقد قضيت عليه ، ومنه قول الشاعر :
قد عضّه فقضى عليه الأشجع (١)
قيل : لم يقصد موسى قتل القبطي ، وإنما قصد دفعه ، فأتى ذلك على نفسه ، ولهذا قال : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) وإنما قال بهذا القول ؛ مع أن المقتول كافر حقيق بالقتل ، لأنه لم يكن إذ ذاك مأمورا بقتل الكفار. وقيل : إن تلك الحالة حالة كفّ عن القتال لكونه مأمونا عندهم ، فلم يكن له أن يغتالهم. ثم وصف الشيطان بقوله : (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) أي : عدوّ للإنسان يسعى في إضلاله ، ظاهر العداوة والإضلال. وقيل : إن الإشارة بقوله «هذا» إلى عمل المقتول لكونه كافرا مخالفا لما يريده الله. وقيل : إنه الإشارة إلى المقتول نفسه : يعني أنه من جند الشيطان وحزبه. ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ) الله (لَهُ) ذلك (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ووجه استغفاره أنه لم يكن لنبيّ أن يقتل حتى يؤمر ، وقيل : إنه طلب المغفرة من تركه للأولى كما هو سنة المرسلين ، أو أراد إني ظلمت نفسي بقتل هذا الكافر ، لأن فرعون لو يعرف ذلك لقتلني به ، ومعنى فاغفر لي : فاستر ذلك عليّ ، لا تطلع عليه فرعون ، وهذا خلاف الظاهر ، فإن موسى عليهالسلام ما زال نادما على ذلك ، خائفا من العقوبة بسببه ، حتى إنه يوم القيامة عند طلب الناس الشفاعة منه يقول : إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ، كما ثبت ذلك في حديث الشفاعة الصحيح. وقد قيل : إن هذا كان من قبل النبوّة ، وقيل : كان ذلك قبل بلوغه سنّ التكليف وإنه كان إذ ذاك في اثنتي عشرة سنة ، وكل هذه التأويلات البعيدة ، محافظة على ما تقرر من عصمة الأنبياء ، ولا شك أنهم معصومون من الكبائر ، والقتل الواقع منه لم يكن عن عمد فليس بكبيرة ، لأن الوكزة في الغالب لا تقتل. ثم لما أجاب الله سؤاله وغفر له ما طلب منه مغفرته (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ) هذه الباء يجوز أن تكون باء القسم ، والجواب مقدر ، أي : أقسم بإنعامك عليّ لأتوبنّ وتكون جملة (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) كالتفسير للجواب ، وكأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرما. ويجوز أن تكون هذه الباء هي باء السببية بمحذوف ، أي : اعصمني بسبب ما أنعمت به عليّ ، ويكون قوله : «فلن أكون ظهيرا» مترتبا عليه ، ويكون في ذلك استعطاف لله تعالى ، وتوصل إلى إنعامه بإنعامه و «ما» في قوله : «بما أنعمت» إما موصولة ، أو مصدرية ، والمراد بما أنعم به عليه : هو ما آتاه من الحكم والعلم أو بالمغفرة ، أو الجميع ، وأراد بمظاهرة المجرمين : إما صحبة فرعون والانتظام في جملته في ظاهر الأمر أو مظاهرته على ما فيه إثم. قال الكسائي والفراء : ليس قوله : (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) خبرا بل هو دعاء ،
__________________
(١). البيت لجرير ، وصدره :
أيفايشون وقد رأوا حفّاثهم
ومعنى «يفايشون» : يفاخرون. والحفّاث والأشجع : من الحيّات.