(إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) إن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، أي : إنها كادت لتظهر أمر موسى ، وأنه ابنها من فرط ما دهمها من الدهش ، والخوف والحزن ، من بدا يبدو : إذا ظهر ، وأبدى يبدي : إذا أظهر ، وقيل : الضمير في به عائد إلى الوحي الذي أوحى إليها ، والأوّل أولى. وقال الفراء : إن كانت لتبدي باسمه لضيق صدرها ، لو لا أن ربطنا على قلبها. قال الزجاج : ومعنى الربط على القلب : إلهام الصبر وتقويته ، وجواب لو لا محذوف ، أي : لو لا أن ربطنا على قلبها لأبدت ، واللام في (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلق بربطنا ، والمعنى : ربطنا على قلبها لتكون من المصدقين بوعد الله وهو قوله : «إنا رادوه إليك». وقيل : والباء في : «لتبدي به» زائدة للتأكيد. والمعنى : لتبديه كما تقول أخذت الحبل وبالحبل. وقيل المعنى : لتبدي القول به (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) أي : قالت أمّ موسى لأخت موسى وهي مريم (١) قصيه ، أي : تتبعي أثره واعرفي خبره ، وانظري أين وقع وإلى من صار؟ يقال قصصت الشيء : إذا اتبعت أثره متعرّفا لحاله (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) أي : أبصرته عن بعد ، وأصله عن مكان جنب ، ومنه الأجنبي. قال الشاعر :
فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة |
|
فإنّي امرؤ وسط الدّيار غريب (٢) |
وقيل : المراد بقوله «عن جنب» : عن جانب ، والمعنى أنها أبصرت إليه متجانفة مخاتلة ، ويؤيد ذلك قراءة النعمان بن سالم عن جانب ، ومحلّ عن جنب : النصب على الحال إما من الفاعل ، أي : بصرت به مستخفية كائنة عن جنب ، وإما من المجرور ، أي : بعيدا منها. قرأ الجمهور «بصرت» به بفتح الباء وضم الصاد ، وقرأ قتادة بفتح الصاد وقرأ عيسى بن عمر بكسرها ، قال المبرّد : أبصرته وبصرت به بمعنى ، وقرأ الجمهور «عن جنب» بضمتين ، وقرأ قتادة والحسن والأعرج وزيد بن عليّ بفتح الجيم وسكون النون ، وروي عن قتادة أيضا أنه قرأ بفتحهما. وروي عن الحسن أيضا أنه قرأ بضم الجيم ، وسكون النون. وقال أبو عمرو ابن العلاء : إن معنى «عن جنب» عن شوق. قال : وهي لغة جذام يقولون : جنبت إليك ، أي : اشتقت إليك (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنها تقصه ، وتتبع خبره ، وأنها أخته (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) المراضع جمع مرضع ، أي : منعناه أن يرضع من المرضعات. وقيل : المراضع جمع مرضع بفتح الضاد ، وهو الرضاع أو موضعه ، وهو الثدي ، ومعنى (مِنْ قَبْلُ) من قبل أن نردّه إلى أمه ، أو من قبل أن تأتيه أمه ، أو من قبل قصها لأثره ، وقد كانت امرأة فرعون طلبت لموسى المرضعات ليرضعنه ، فلم يرضع من واحدة منهنّ فعند ذلك (فَقالَتْ) أي : أخته لما رأت امتناعه من الرضاع (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أي : يضمنون لكم القيام به ، وإرضاعه (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) أي : مشفقون عليه لا يقصرون في إرضاعه وتربيته. وفي الكلام حذف ، والتقدير : فقالوا لها من هم؟ فقالت أمي ، فقيل لها : وهل لأمك لبن؟ قالت نعم لبن أخي هارون : فدلتهم على أمّ موسى فدفعوه إليها ، فقبل ثديها ، ورضع منه ، وذلك معنى
__________________
(١). هي مريم بنت عمران وافق اسمها اسم مريم أم عيسى عليهالسلام.
(٢). البيت لعلقمة بن عبدة ، قاله يخاطب به الحارث بن جبلة يمدحه ، وكان أسر أخاه شأسا ...