من الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : من عشرة إلى خمسة عشر ، وأصلها في اللغة : الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض ، وجملة (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) إن كانت خبرا لإنّ فظاهر ، وإن كان الخبر عصبة كما تقدّم فهي مستأنفة ، خوطب بها النبي صلىاللهعليهوسلم وعائشة وصفوان بن المعطل الذي قذف مع أمّ المؤمنين وتسلية لهم ، والشرّ : ما زاد ضرّه على نفعه ، والخير : ما زاد نفعه على ضرّه ، وأما الخير الذي لا شرّ فيه فهو الجنة ، والشرّ الذي لا خير فيه فهو النار ، ووجه كونه خيرا لهم أنه يحصل لهم به الثواب العظيم ، مع بيان براءة أمّ المؤمنين ، وصيرورة قصتها هذه شرعا عاما (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي : بسبب تكلمه بالإفك (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) قرأ الحسن والزهري وأبو رجاء وحميد الأعرج ويعقوب وابن أبي علية ومجاهد وعمرة بنت عبد الرحمن بضمّ الكاف. قال الفرّاء : وهو وجه جيد ، لأن العرب تقول : فلان تولى عظيم كذا وكذا : أي أكبره ، وقرأ الباقون بكسرها. قيل : هما لغتان ، وقيل : هو بالضم معظم الإفك ، وبالكسر البداءة به ، وقيل : هو بالكسر الإثم. فالمعنى : إن الذي تولى معظم الإفك من العصبة له عذاب عظيم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما.
واختلف في هذا الذي تولى كبره من عصبة الإفك من هو منهم؟ فقيل : هو عبد الله بن أبيّ ، وقيل : هو حسان ، والأوّل : هو الصحيح. وقد روى محمد بن إسحاق وغيره أن النبي صلىاللهعليهوسلم جلد في الإفك رجلين وامرأة ، وهم : مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش. وقيل : جلد عبد الله بن أبيّ وحسان ابن ثابت وحمنة بنت جحش ، ولم يجلد مسطحا ، لأنه لم يصرح بالقذف ، ولكن كان يسمع ويشيع من غير تصريح. وقيل : لم يجلد أحدا منهم. قال القرطبي : المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذين حدّوا : حسان ومسطح وحمنة ، ولم يسمع بحدّ لعبد الله بن أبيّ ، ويؤيد هذا ما في سنن أبي داود عن عائشة ، قالت : لما نزل عذري ، قام النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك وتلا القرآن ، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدّهم ، وسماهم : حسان ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش.
واختلفوا في وجه تركه صلىاللهعليهوسلم لجلد عبد الله بن أبيّ ، فقيل : لتوفير العذاب العظيم له في الآخرة ، وحدّ من عداه ليكون ذلك تكفيرا لذنبهم كما ثبت عنه صلىاللهعليهوسلم في الحدود أنه قال : «إنّها كفّارة لمن أقيمت عليه» وقيل : ترك حدّه تألفا لقومه واحتراما لابنه ، فإنه كان من صالحي المؤمنين وإطفاء لثائرة الفتنة ، فقد كانت ظهرت مباديها من سعد بن عبادة ومن معه كما في صحيح مسلم. ثم صرف سبحانه الخطاب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن معه إلى المؤمنين بطريق الالتفات فقال : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) لولا : هذه هي التحضيضية تأكيدا للتوبيخ والتقريع ومبالغة في معاتبتهم ، أي : كان ينبغي للمؤمنين حين سمعوا مقالة أهل الإفك أن يقيسوا ذلك على أنفسهم ، فإن كان ذلك يبعد فيهم ، فهو في أمّ المؤمنين أبعد. قال الحسن : معنى بأنفسهم : بأهل دينهم ، لأن المؤمنين كنفس واحدة ألا ترى إلى قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (١) قال الزجاج : ولذلك يقال للقوم الذين يقتل بعضهم بعضا إنهم يقتلون
__________________
(١). النساء : ٢٩.